ثلاثة نجاحات إيرانية متزامنة
ثلاثة نجاحات إيرانية متزامنةثلاثة نجاحات إيرانية متزامنة

ثلاثة نجاحات إيرانية متزامنة

فيما كان الوفد الإيراني المفاوض يلتقي نظيره الأمريكي في جنيف، رسمياً وعلنياً، ولأول مرة، كان الرئيس الإيراني حسن روحاني في أنقرة يلتقي نظيره التركي ويتحادث مع رئيس حكومته رجب طيب أردوغان ... وفي القاهرة، حلت إيران في قائمة الدول المدعوّة على أرفع مستوى، للمشاركة في حفل تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، ... تطورات ثلاثة هامة، تحدث في توقيت متزامن، وتعكس نجاح طهران في تكسير أطواق العزلة والعقوبات ... تطورات ثلاثة، سيكون لها تداعيات على أزمات الإقليم الممتدة من اليمن للبنان، مرورا بالبحرين والعراق وسوريا.



وليم بيرنز سيلتقي عراقجي، لا شك أنهما يعرفان بعضهما البعض منذ مفاوضات “مسقط” السرية، وبينهما ستجلس السيدتان ويندي شيرمان وهيلغاشميت (عن الاتحاد الأوروبي) ... لم يعد الجانبان بحاجة إلى الوسطاء، ولا لإبقاء اجتماعاتهما بعيداً عن أعين الفضوليين في الصحافة والدوائر الدبلوماسية ... إن أمكن الوصول إلى توافق بين طهران وواشنطن، سيلتحق الجميع، وبعد وقت ليس بالطويل ... هكذا هو حال العلاقات الدولية، وبهذه الطريقة تدار الأمور.


والحقيقة أن واشنطن ما كانت لـ “تقامر” بفتح صفحة علنية ومباشرة في علاقاتها مع طهران، وكذا القيادة الإيرانية، ما لم تكن فرص نجاح المحادثات أعلى بكثير من احتمالات فشلها ... هم قالوا إن المفاوضات في جنيف تتقدم، وأن ما تبقى من مسودة الاتفاق النهائي، ليس سوى تفاصيل يمكن معالجتها، حتى أن ظريف نفسه، قال إن إنجاز اتفاق كهذا ممكن في المهل المقررة، أو حتى قبلها ... لكن الاجتماع الثنائي يبدو مطلوباً، بل ومطلوباً جداً، لتمهيد الطريق لمفاوضات لاحقة، تخرج عن “النووي” إلى مختلف ملفات المنطقة وأزماتها ... هنا لن تكتفي واشنطن بدور القيادة، قيادة مجموعة الدول الغربية، بل ستجنح للاستئثار بعقد الصفقات وترتيب التسويات، حتى وإن تم ذلك وراء ظهر الحلفاء والأصدقاء، وسجلُّ السياسة الخارجية الأمريكية، حافل بمثل هذه “التجاوزات” على “مقتضيات التحالفات وموجباتها.


في هذه المناخات، تأتي الزيارة الهامة لروحاني إلى أنقرة، للبحث في عدة ملفات أهمها ملف العلاقات الثنائية المثقل بالمصالح والحسابات المشتركة، وملف سوريا، السبب الرئيس الكامن وراء التباعد بين الجارتين الكبيرتين ... هذه القمة تبدو مختلفة عن القمم الإيرانية – التركية السابقة ... هذه المرة، يأتي روحاني، مدججاً بالنجاحات في اختراق أطواق العزلة والحصار، وبحلفاء إقليميين أخفقت جميع محاولات إبعادهم عن السلطة، من المالكي، الفائز الأول في الانتخابات العراقية، إلى بشار الأسد الفائز الأول في انتخابات، أقل ما يمكن أن يقال فيها، أنها شهدت إقبالاً واسعاً على الاقتراع ... أما أردوغان، فيأتي للقمة مثقلاً بالفشل على أكثر من ساحة وفي أكثر من ملف إقليمي، والمحاط بأزمات داخلية تكاد تطيح بأسطورته، وبعلاقات ملتبسة مع الغرب: قلق وشكوك أمريكية من أداء تركيا حيال الجماعات الإرهابية، واتحاد أوروبي لا يكف عن توجيه الانتقادات لأنقرة التي تبتعد عن “معايير كوبنهاجن” بدل أن تتمثلها وتمتثل إليها.


ستنجح الزيارة في تحقيق اندفاعة في ملف العلاقات الثنائية الشائك والمتعدد المجالات، وهي وإن كانت ستخفق في تجسير فجوة المواقف بين الجانبين حول سوريا، إلا أنها ستفضي في تخفيف “غلواء” الاندفاع التركي في العداء لسوريا.


وغير بعيد عن جنيف وأنقرة، تشهد مصر حدثاً تاريخياً بتنصيب المشير السيسي رئيساً لمصر ... غابت أنقرة عن حفل التنصيب، ودُعي الرئيس روحاني لها، بصورة لم تكن متوقعة، خصوصاً في ظل التقارب الشديد بين القاهرة والرياض ... لكأن القيادة المصرية الجديدة أرادت بذلك أن تبعث بـ “رسائل مركبة” إلى جميع من يعنيهم الأمر، قاسمها المشترك، أنها ستنتهج سياساتها الخارجية الخاصة، النابعة من احتياجات مصالحها وحسابات أمنها القومي: السيسي يخص العاهل السعودي وحده دون سواه، بالشكر والتقدير، وبالاسم، في خطاب القسم ... والتشريفات الرئاسية، تبعث للقيادة الإيرانية برقاع الدعوة للمشاركة في حفل التنصيب ... فيما تركيا التي أطلقت النار على أقدامها، ففقدت دبلوماسيتها القدرة على المناورة والتحرك بين المحاور والمصالح المتناقضة في المنطقة، تقف بعيداً عن المشهد المصري، ولولا استدعاء الخارجية المصرية للقائم بالأعمال الإيراني للاحتجاج على مواقف حكومته من نتائج الانتخابات المصرية، لما أتى أحدٌ من المصريين على ذكر مركز السلطنة والخلافة.


خلاصة القول، إن إيران تعود بقوة وزخم إلى مسرح عمليات الإقليم، بعد سنوات من العزل والحصار ... مستندة إلى إرث من النجاحات، أهمها الصمود داخلياً وبناء عناصر القوة والاقتدار والاستقلال، وثانيهما، توسيع النفوذ في دول وعواصم عدة، ما جعل منها لاعباً لا يمكن الاستغناء عنه، أو تجاهل دوره في أي من أزمات المنطقة ... هذه “الوضعية” لا تتوفر لأية دولة عربية، بمن فيها مصر المحاصرة بأزماتها، كما أنها لم تعد تتوفر لتركيا التي فقدت في ثلاث سنوات، زخم صعود أردوغان وحزب العدالة والتنمية في عشر سنوات ... إنه الشرق الأوسط برماله المتحركة بسرعة واستمرار، حيث لا يبقى شيء حاله، وغالباً بين عشية وضحاها.
(الدستور)

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com