«داعش يهودي» لاستعادة مملكة داود!
«داعش يهودي» لاستعادة مملكة داود!«داعش يهودي» لاستعادة مملكة داود!

«داعش يهودي» لاستعادة مملكة داود!

الياس حرفوش

الحديث في إسرائيل اليوم عن «إرهاب يهودي» وعن نسخة «داعشية» تتبنى الأفكار وتعتمد الأساليب نفسها التي يعتمدها التنظيم الإسلامي الذي يقيم في صفوفنا ويهدد مجتمعاتنا. ويتسع الحديث عن «داعش اليهودي» بعد ردود الفعل المستنكرة حول العالم لإحراق منزل العائلة الفلسطينية في الضفة الغربية الذي قضى بسببه طفل رضيع ووالده، ولا يزال باقي أفراد العائلة يرقدون في المستشفى بحالة خطرة، وبعد اعتداءات على دور عبادة مسيحية تم إحراق بعضها.

بالطبع لم يكن القلق من هذه الجرائم بسبب حرص المؤسسة السياسية والأمنية في إسرائيل على حياة الفلسطينيين أو على مصير دور العبادة الإسلامية أو المسيحية. بل يعود السبب إلى أمرين: حرص إسرائيل على الحد من موجة الاستنكار الدولي لهذه الجرائم، والأخطر من ذلك هو تخوفها من تمدد الأفكار التي يعتنقها اتباع هذا التنظيم المتطرف الذي تم اعتقال بعض أفراده، وانتشارها في صفوف فئات أوسع من الشباب، إذ يدعو هؤلاء إلى «الثورة» على المؤسسات القائمة وتدمير دولة إسرائيل من أجل إعادة بنائها من جديد على أسس الدين الصحيح، كما يرونه، المستوحاة من تعاليم التوراة. ففي نظر هؤلاء لا مكان لغير اليهود في هذه الدولة الجديدة عندما تقوم، ولا حتى لليهود الذين يسمون أنفسهم علمانيين ولا يحترمون الشعائر الدينية.

وتشير وثيقة عثر عليها جهاز «شين بيت» (الأمن الداخلي) خلال تحقيقاته في أحد المستوطنات في الضفة الغربية إلى أن هذا التنظيم الذي يطلق على نفسه اسم «لاهافا» (أي الشعلة) يقارن إسرائيل ببناء مهتز غير ثابت الأسس وقابل للانهيار. ومهمتهم هي «إشعال المتفجرات» التي ستكفل تدمير هذا البناء تمهيداً لقيام إسرائيل الجديدة التي يدعون إليها. وتعرض الوثيقة المكتوبة بلغة عبرية عامية وركيكة الأساليب والطرق التي يجب استخدامها لنشر حال الرعب بين الفلسطينيين وكل من يخالفهم الرأي، ولو من اليهود، مثل إحراق منازلهم لإرغامهم على المغادرة.

كما تدعو «الشعلة» إلى محاربة اختلاط اليهود بغيرهم وإلى تحريم الزيجات المختلطة، وتستمد أفكارها من حركة «كاخ» العنصرية المعادية للعرب والتي أسسها الحاخام العنصري مائير كاهانا في العام 1971 وحظرت العام 1994 بعدما قام أحد اتباعه باروخ غولدشتاين بقتل 29 شخصاً كانوا يصلون في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل. والشاب مائير اتينغر الذي كان أحد الذين اعتقلوا بعد الاعتداء على العائلة الفلسطينية هو أحد أحفاد كاهانا الذي يعتبر الأب الروحي للتنظيمات اليمينية المتطرفة.

يستغرب الإسرائيليون ظهور هذا الوحش في وسط مجتمعهم. ويتجاهلون أن تشجيع ثقافة العنف وتبرير اغتصاب أراضي الفلسطينيين والاعتداء عليهم بمختلف السبل، هي الثقافة السائدة في المجتمع الإسرائيلي، والتي كان طبيعياً أن تؤدي إلى ظواهر التطرف والإرهاب. فهؤلاء الشباب الذين يضمهم اليوم تنظيم «لاهافا» هم أنفسهم، وآباؤهم من قبلهم، الذين كانت ترسلهم المؤسسة العسكرية لاحتلال المواقع المهمة في الضفة الغربية ضمن المشروع الاستيطاني وإطلاق يدهم للاعتداء على الفلسطينيين بطرق الوحشية والعنف التي يرونها مناسبة. هؤلاء الشباب هم نتاج المؤسسة اليهودية التي تبرر التعصب والحقد بحق الفلسطينيين وصولاً إلى القتل، وهو ما مارسه الجنود الإسرائيليون في كل حروبهم من دون أن يتعرضوا لأي حساب.

عندنا أبو بكر البغدادي يكفّر ويذبح ويدمر الحجر والبشر، وعندهم نسخته اليهودية، بنتسي غوبشتاين زعيم «الشعلة». وفي الحالتين نشهد نتائج التزاوج بين الأفكار السلفية المعتمدة على مفاهيم دينية متزمتة وثقافة التكفير التي تعتبر الاختلاف مع الآخر تشريعاً لقتله. وكما يحارب «داعش» من أجل إحياء «الخلافة» في دولته المزعومة على أنقاض الكيانات القائمة، تعد «الشعلة» بتدمير إسرائيل والعودة باليهود إلى «مملكة» في ظل الملك داود، وطرد كل «الكفار» منها، من مسلمين ومسيحيين، وكل من لا يسير معهم من اليهود على النهج الذي يرون انه الصحيح، نهج التوراة والأنبياء الأوائل.

التطرف ليس اختصاصاً لأحد ولا يقتصر على بلد أو دين بعينه. إنه مرض يضرب كلما توافرت له ظروف النشأة والرعاية. ومثلما اعتقد الذين أشرفوا على ولادة «داعش» أنهم سيبقون في مأمن منه، هكذا يجد الإسرائيليون اليوم أن الوحش الذي قاموا برعايته أصبح أكبر تهديد لهم.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com