رحّالة العرب: «العربي» يتعرّف إلى أوطانه
رحّالة العرب: «العربي» يتعرّف إلى أوطانهرحّالة العرب: «العربي» يتعرّف إلى أوطانه

رحّالة العرب: «العربي» يتعرّف إلى أوطانه

سمير عطا الله

عام 1958 أطلق الشيخ صباح الأحمد، وزير الإعلام آنذاك، مجلة «العربي» قبل أن تكتمل مطابع الكويت عملها. فأول مجلة بالألوان، كانت تعزز ألوان صورها في بيروت. وكان اسم «العربي» قد اختاره الناس في استفتاء أعلن عنه في الصحف. وكان الهدف من «العربي» أن تصل إلى كل زاوية في هذا الوطن الباحث عن أوصاله.
من أجل تعريف العرب بعضهم ببعض، وضع رئيس التحرير الدكتور أحمد زكي، زاوية شهرية بعنوان «اعرف وطنك». وأوكل كتابتها إلى الصحافي المصري سليم زبال، الذي جاء معه من القاهرة، حيث بدأ العمل الصحافي موظفًا في أرشيف «الهلال» وانتهى مدير تحرير في «أخبار اليوم».
سوف يصبح سليم زبال أول صحافي متفرغ للرحلات الكبرى. وبدل أن يختار السفر إلى البلدان المريحة والأماكن المعروفة، نقل القارئ إلى سومطرة، وشنقيط، وكوريا موريا (عمان)، و... مطماطة، وهي مدينة تونسية مبنية تحت الأرض. وصار العرب ينتظرون «العربي» كل شهر لجواذب كثيرة، منها، خصوصًا، «استطلاع» سليم زبال. فقط رفض رئيس التحرير، الدكتور أحمد زكي، استخدام مصطلح «ريبورتاج» لأعجميته، وكان أن ابتدع الاسم الجديد. وكان الرجل عالمًا من علماء العرب، في اللغة وفي الفكر. وفرض على «العربي» نظامًا شديدًا في اختيار المادة وقبولها. وكان المقال يُعرض على خمسة أشخاص قبل أن يُحال عليه.
ومن شدة الحرص على «التجربة» كانت الصور تُعرض أيضًا على مجموعة من المشرفين قبل نشرها. وكان الشيخ صباح الأحمد يأتي بنفسه للمشاركة في الاختيار. روى سليم زبال في لقاءات مع «القبس» ظروف الرحلات الأولى، بعد تقاعده. الرحلة إلى «العين» في أبوظبي تمت في طائرة نفاثة إلى البحرين، ومنها في طائرة داكوتا (محركان) إلى أبوظبي، وهناك علقت عجلات الطائرة في الرمال. ومن أبوظبي إلى العين 8 ساعات بالسيارة: عام 1960!
تأثر سليم زبال بصيغة «ناشونال جيوغرافيك». وكان يرافقه أوسكار متري، المصور الذي جاء معه من القاهرة. والفريق الثلاثي، أحمد زكي، زبال، متري، كانوا من اختيار الكويتي الرائع أحمد السقاف، أحد أركان النهضة الأدبية في البلد. وبدأ زبال رحلاته في أقرب المدن إلى الكويت، البصرة. وعاد منها مذهولاً: «إنها جنة الله على الأرض: 23 مليون نخلة في موقع واحد»!
كانت الرحلات هي أيضًا صور الأغلفة. وفي معظمها صورة امرأة من المكان المستطلع بثوبها التقليدي. وروى زبال أن كل صورة كانت تُعدّ مُسبقًا، وليس على طريقة المفاجأة. لا شيء للصدفة. لا يمكن أن تحمل إلى الدكتور أحمد زكي صورة، أو مقالاً، لا جهدًا جهيدًا فيه. وعندما اقترح عليه سليم زبال الانتقال بالاستطلاعات إلى خارج العالم العربي، زجره قائلاً: أنت تبحث عن فنادق خمس نجوم؟ «اعرف وطنك» يعني اعرف وطنك.
امتلأت جعبة سليم زبال بالأخبار والطرائف. الليلة الأولى لوصوله مع زوجته إلى شقتهما في الكويت وجدا الجراد يملأ كل شبر منها، فهربا إلى أقرب فندق. وفي جزيرة سقطرى، نام هو والمصور على الأرض، فلما استيقظا وجدا أن الجمالين تركوهما للفلاة! غير أن أحد الجمالين أبلغ المسؤولين، فأرسلوا إليهما النجدة. عرفت «العربي» بريادات كثيرة، أهمها إدارة أحمد زكي، وثمة جيل أو أكثر، يتذكر دائمًا مغامرات سليم زبال وأيام كان في البصرة 23 مليون نخلة.
إلى اللقاء..

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com