رحّالة الصيف بدوي القارات
رحّالة الصيف بدوي القاراترحّالة الصيف بدوي القارات

رحّالة الصيف بدوي القارات

سمير عطا الله

توفي ميخائيل نعيمة قبل عام واحد من استكمال قرن كامل من الحياة (1889 – 1988). ترحَّل باكرًا واستقرّ مبكرًا. ذهب طالبًا إلى فلسطين ثم روسيا، ومنها اتجه للعمل مع أشقائه في الولايات المتحدة حيث أكمل دراسة الحقوق، لكنه عاد عام 1932 إلى لبنان ليمضي بقية العمر في التأليف والكتابة.
بدأت شهرته في عالم الأدب عندما انضم إلى جبران خليل جبران في «الرابطة القلمية» في نيويورك، وكان أقرب أعضاء الرابطة إلى جبران. لكن بدا فيما بعد من كتابه عن رفيقه أنه كان يخفي غيرة شديدة منه، فقد طارت شهرة جبران وموهبته المجنَّحة في الإنجليزية والعربية معًا. وأخفق نعيمة في الإنجليزية، ورغم شهرته ومكانته ظل دون جبران بكثير. لم تكن لنعيمة طلاوة الأسلوب الجبراني. ولا برع في الرسم كما برع جبران. وكان منطويًا على نفسه فيما اخترق جبران المجتمع الأدبي الأميركي، وتعرَّف إلى كباره، وأصبحت كتبه بين الأكثر مبيعًا، قبل أن يتوفى وهو دون الثامنة والأربعين من العمر.
في رحلاته وتنقلاته، تعرف نعيمة إلى حضارات العالم وهي في ذروة تموّجها. عاش في روسيا فيما كانت تغلي بالثورة التي سوف تقع بعد سبع سنين على مغادرته. وفيها قرأ الأدب الروسي الكبير وتأثر به. وعندما سافر إلى أميركا غرق في آدابها والآداب الإنجليزية. وبقي في الوقت نفسه يتبحَّر في الآداب العربية ويتضلّع في اللغة التي أحبها. وفي عام 1919 لم يستطع تجنب التجنيد الإجباري، فجيء به إلى أوروبا عام 1919، حيث قاتل على الجبهة الألمانية – الفرنسية. وحوّلته تجارب الحرب إلى داعية من دعاة السلم في العالم. وحملت كتاباته نزعات إلى العلم والتطور والسعة الإنسانية والتعلق بالروحانيات. وكان يمضي معظم وقته في منزل ريفي عرف بـ«الشخروب»، يقوم على طرف بلدته بسكنتا. وإضافة إلى مداخيله القليلة من الكتب (17 مؤلفًا) كان يأتيه دخل بسيط من زراعة الأرض التي نفر منها صبيًا، حين يدعوه والده الفلاح إلى مساعدته في تدجين الحقل.
يقال إن جذور نعيمة تعود إلى قرية «النعيمة» في محافظة إربد الأردنية. وقد وضع هو سيرة ذاتية من ثلاثة أجزاء سماها «سبعون» وأصدرها عند بلوغه السبعين من العمر. وفي هذه السيرة بدا نعيمة أقرب إلى الواقع والحياة من مؤلفاته التأملية. وفيها يروي مسيرة شقاء وترحّل متعب في ثلاث قارات، إضافة إلى تنقّله في ولايات أميركية عدة، بحثًا عن يسر مادي ظل عبثًا للسعي وراءه.
فقد تركت حياة الشظف الأولى في نفسه جرحًا مفتوحًا. أمه تشقى في الحقول. ولا يخفي رجل المائة عام حبه الغامر لأمه، التي كانت، على ما يبدو، الفريق حسن التدبير في العائلة. وبسبب السنوات الأولى بقي نعيمة قريبًا من البسطاء وقضاياهم.
غدا نص سيتحدث عن حياته الجامعية في فولتافيا، أوكرانيا. إلى اللقاء

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com