عُنق العرب بعد القمّة
عُنق العرب بعد القمّةعُنق العرب بعد القمّة

عُنق العرب بعد القمّة

زهير قصيباتي

بين ما حققته قمة الكويت إحياء عبارة «التضامن العربي» التي توارت منذ اختلط الربيع العربي وثوراته بالفوضى والاضطراب، وغياب السلم الاجتماعي في معظم أرجاء المنطقة، واشتدت الرياح المذهبية لتنكفئ كل دولة على أزمة تضعضع كيانات.

وإن كانت القمة جمعت كل ما هو متنافر في الخلافات العربية- العربية، فـ «إعلان الكويت» يسجّل خطوة متقدمة إذ يعترف بأن العبرة في التطبيق، حين يشدد على «المصالحة والشفافية في القول والفعل». وما تستبطنه هذه العبارة يضع مِلْحاً على جروح «انعدام الوزن» العربي الذي باغته «الربيع»، والرياح المذهبية قبله، ثم قفزة تيارات محسوبة على الإسلام السياسي، كانت ضحية الاستبداد، فباتت متهمة بالاستبداد والإرهاب.

في نظرة مبسّطة إلى ما درج العرب على تسميته تحديات، يمكن أن تستحضر «الذاكرة»(!) فقدان ثقة دول عربية كبرى بالأهداف الحقيقية التي تخفيها إدارة الرئيس باراك أوباما، منذ تقلّبت مواقفها وتردّدت وارتبكت مع عواصف التغيير، بدءاً من تونس إلى مصر واليمن وسورية، ولم تستثنِ سوى ديكتاتورية القذافي... لكنها مرة أخرى مثلما تَرَكَت النموذج العراقي يتخبط بالقتل والإرهاب والثارات المذهبية، لم تترك في ليبيا سوى صحارى السلاح تتسلل إليها نوازع الانفصال في المناطق، وتسرع إليها فروع «القاعدة».

ويكمل الكرملين ضياع الرؤية الأميركية، بإحياء أحلامه الامبراطورية، بدءاً من سورية حيث سهّل للنظام تجفيف شرايين الثورة، بذريعة صدّ «إرهاب الإسلاميين» المتشددين. وبين شرق تحفّزه المياه الدافئة، وغرب اعتاد اللحاق بعسكر أميركا وقوتها ومصالحها، حتى إذا «انكفأت» ضلّ الطريق وتشبّث بسياسة «دعهم يُقتلون بأيديهم»... اكتمل الحصار على العنق العربي مع إسرائيلي يشدّد حراسته لسجن فلسطيني كبير، ومع الوثبة الإيرانية لاقتسام تركة الرجل المريض.

كل ذلك ليس مدعاةً لليأس بعد «إعلان الكويت» إذا اقترنت الأقوال بالأفعال، لكنَّ السؤال هو كم مرّة اهتدت القمم العربية إلى الحلول، وبقيت الأقوال أقوالاً، وتمنيات نهار يمحوها الليل؟

لم يكن مفاجئاً ان تندد القمة العربية بمجازر النظام السوري، ولا أن تعتبر «الائتلاف الوطني» ممثلاً شرعياً للسوريين. مع ذلك، ومما يثير الاستغراب كما قال ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ألاّ يُمنح مقعد سورية في القمة لـ «الائتلاف». وإذا كانت المسألة لا تزال محور خلاف بين العرب، رغم كل المآسي وبُحُور الدم، والاقتراب من اليأس الكامل إزاء المقاربات الدولية لما يُسمى الحل السياسي (الهيئة الانتقالية للحكم)... فأي أمل يبقى لمثل هذه التسوية، من دون دعم ما يطلبه «الائتلاف»؟ ألا تثير الدهشة دعوة بيان القمّة «الائتلاف» إلى حضور اجتماع مقبل للمجلس الوزاري للجامعة العربية، بعدما حُرِم من مقعد سورية خلال مؤتمر القادة؟

نصف المعادلة الاعتراف بـ «الائتلاف الوطني»، ولكن هل يترجم في مدن الكوارث وريفها في سورية، من دون التخلي عن سلبية المتفرّج التي استنزفت الثورة والمقاتلين، فباتَ كمن ينتظر إبادتهم؟ الحال أن لا شيء سيتبدّل في مشاهد المحنة الكبرى للعرب، إن لم يجدوا مخرجاً من «الحصار» الغربي المفروض على تسليح المعارضة.

لا أمر مفاجئاً في رفض القمة الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية التي تعني شطب حق العودة للفلسطينيين. سوى ذلك، ما هو شائك يبقى تحت سقف الخلافات والنزاعات العربية- العربية الصامتة والصاخبة، ولعله يحتاج قمّة مفتوحة، تتعرف إلى مآل ما يسميه القادة «تطلعات الشعوب»، وتتلمّس آليات لتفكيك ألغام لا تُبقي تطلعات ولا كيانات.

هل من أجوبةٍ مثلاً، عن مفاهيم موحدة لطبيعة الخلاف على تحديد الإرهاب، وعلى مقاربة الإسلام السياسي، والمدى الذي يمكن فيه التعايش معه؟

هل مِن جواب يحدد مواصفاتٍ للاستبداد، ومعايير للحريات العامة، وحقوق المحكومين وواجبات الحاكم إزاءهم، وواجباتهم خصوصاً في نبذ ركب التخوين والتكفير لأنهما أقصر الطرق الى الخراب؟

هل يمكن العرب، عبر القمة، تحديد مفهوم لسلطة مارقة مع شعبها؟... تحصين المعتقدات بمنع الإتجار بها، وتحصين المجتمعات بالتخلي تدريجاً عن سلبية الصمت الذي يزرع بذور الحقد بين المواطن والدولة، كلما أخطأَت كفَّرها وكلما أخطأَ حمّلها وزره؟

هل الفيديرالية مقبولة في اليمن مرفوضة في ليبيا، ولماذا نخشاها؟... أليست الدولة العميقة أينما كانت تستقطب مواطنين «درجة أولى»، عددهم يناهز عشرات الملايين من العرب، وهل الحل بإقصائهم على طريقة استئصال «البعث» العراقي الذي انتهى الى نبذ طائفة؟

تلك نماذج من قضايا مستعصية، وستبقى عسيرة إن ظلت الدول العربية ومعها مؤسسة القمة، تخشى عواقب الاقتراب منها، لأن شجون «الربيع» ودماءه، تكفي وتفيض.

وهي تفيض حتماً، كلما طوَّع الكبار في مجلس الأمن أنظمة مارقة، لحماية مصالحهم، فتستمرئ اقتياد البشر قسراً... إلى الكارثة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com