شارلي عضّ أصبعي
شارلي عضّ أصبعيشارلي عضّ أصبعي

شارلي عضّ أصبعي

بدرية البشر

لعلكم تذكرون مقطع الفيديو الذي ظل مدة طويلة الأكثر مشاهدة للطفلين «شارلي وهاري»، الذي يظهر فيه طفلان بريطانيان، هاري وعمره ثلاثة أعوام يردف أخاه الصغير شارلي الأشهر في عربة أطفال، يقوم هاري بإدخال أصبعه في فم أخيه شارلي فيعضه، فيصرخ هاري قائلاً بلهجة بريطانية عتيقة: «شارلي بئ مي»، أي: «شارلي عضني»، ثم يعيد الكرة ويدخل أصبعه في فم أخيه فيعضه، وفي النهاية يبكي الكبير، لكن أقصى ما يقوله: «شارلي إنه يؤلم».

المشهد بين الطفلين يظهر قمة البرود الإنكليزي، فالمشهد لا يتخلله رد فعل عنيف ومن دون شتيمة أيضاً، هذا المشهد حقق أكثر من 600 مليون مشاهدة، واستضيف والدا الطفلين في برامج تلفزيونية بسبب طرافتهما العفوية، وقلدهما غالب أجناس العالم، وهو ما جعل إحدى الشركات الإلكترونية تنسخ منه لعبة اسمها شارلي. صارت مشاهد الأطفال العفوية الطريفة تتكرر وتنتشر، ثم تستغل برامج التلفزيون أنجحها وتصنع منها مادة جذابة، تماماً مثل تلك البرامج الأميركية للقطات الفيديو العائلية التي كان تلفزيوننا يبثها في رمضان.

هذه المشاهد لا تعكس فقط أطفالاً عفويين يتصرفون بعفوية وببراءة وطرافة، بل تعكس أيضاً أساليب تفكير وثقافة مجتمع وطبائع نفسية وخلقية، فشارلي الذي لم يفكر بأن يخبط أخاه على رأسه حين عضه، هو يعيد تقليد بيئة لا تعتمد الضرب عند أول هجوم أو خلاف عائلي، وذلك الطفل الصغير الذي صور وهو يبكي بشدة، لأن طفلة أخرى بعمره يبدو أنها أخته تقول له سأتزوجك عندما تكبر، لم يكن يفعل شيئاً سوى أن يبكي ويرفض قائلاً: «لا، لا أريد الزواج منك»، أيضاً يعكس طريقة تفاهم سلمية ليس العراك مألوفاً فيها، بينما ذلك الطفل الذي يقول لوالدته: «اسمعيني جيداً يا جنيفر، أنا أحاول أن أشرح لك الأمر بينما أنت لا تصغين»، هو طفل سمع والده يتحدث لوالدته بهذه الطريقة.

نحن أيضاً حظينا بلقطات عفوية لأطفال يفكرون بطريقة مختلفة، فشاهدنا أطفالاً يشتمون بشار الأسد ويعلقون على ارتفاع الأسعار والسكن، وطفلاً ينتقد زواج الرجل من أربعة، وأطفالاً يلقون شعراً شعبياً صعب الحفظ، لكنهم يتمتعون بذكاء وملكة نادرة، كما شاهدنا أطفالاً يلبسون فانيلات نادي والدهم ويرفعون أصابع النصر، إنها بالضبط مشاهد الكبار تنعكس على صغارهم، لكن بعض الأطفال الذين صورتهم كاميرات «آيفون» وتناقلتها منصات البث الإلكتروني على افتراض أنها لقطات طريفة لا تبدو كذلك، بل ربما تدفعك للاتصال بهيئة حقوق الإنسان، أو جمعيات حماية الأطفال من العنف.

شاهدت طفلة عمرها أربعة أعوام تحمل أخاها الرضيع وتؤرجحه بين يديها، وفي المرة الرابعة يسقط على رأسه، ولقطة تظهر والداً يضع بين يدي طفله ضباً - وهو من الزواحف التي كانت في الأصل تماسيح، لكن قدر الله لها أن تعيش في الصحراء فصارت تمساحاً صغيراً بلا أسنان - ظهر الطفل يلاعبه بقسوة وشجاعة، لكنها تنتهي بأن يعض الضب الطفل فيقفز ألماً.

أما ذلك الوالد السعودي الذي يدخل إلى عائلته ووالده وإخوته وهو يحمل بقشة يقول إنها طعام الغداء، فما أن يفتحها حتى نجد فيها طفله الرضيع ويضعه في الصحن.

للأطفال طرائف وللأهالي كذلك، لكن الطرفة ابنة بيئتها، فالبعض ربما يضحكه رجل يصطدم بشاحنة، وآخر لا يرى فيها سوى الألم والخطر.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com