درويش من الحب القاسي إلى الاختطاف
درويش من الحب القاسي إلى الاختطافدرويش من الحب القاسي إلى الاختطاف

درويش من الحب القاسي إلى الاختطاف

خيري منصور

هناك من يحتفلون بيوم الميلاد مقابل آخرين يحتفلون بيوم الرحيل، ورغم الدلالات المختلفة لهذين الموعدين إلا أن أحداً من المحتفلين لا يقدم أسبابه، حدث هذا مراراً بالنسبة للزعيم عبدالناصر، ويحدث الآن، للشاعر الباقي محمود درويش فهو ولد في منتصف آذار الذي طالما أحبه وعشق التردد الذي يأتي في أواخره ورحل محمود العام 2008 وما بين التاريخين رحلة عمر قطعها محمود شعراً، ورغم كل ما سمعناه من درويش وما كتبه عن الموت الذي درَّب نفسه على لقائه وجهاً لوجه فإنه كان يخاف مما يعقب الموت وليس من الموت ذاته، لمعرفته أن الموتى عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم ضد الادعاءات وصداقة الطرف الواحد وإعادة الإنتاج وفقاً للرغائب.

ما خشيه محمود حدث بالفعل، بدءاً من الاختطاف حتى إعادة الإنتاج، فقد ادَّعاه من ادَّعاه، وثمة من عانقه لكن بعد الموت وكان عناق قنافذ!

ولو عاد حيا ولو لدقيقة واحدة لقلت له ما قاله رامبو لشقيقته ايزابيلا عندما شعر أن الموت سيحرمه من حق الدفاع عن الذات وتبرئة السيرة الذاتية من كل ما سيعلق بها من شوائب وغبار!

ما أشبه اصدقاء محمود الحقيقيين والذين اعترف بصداقتهم حباً بكورديليا الابنة الصغرى للملك لير في مسرحية شكسبير الشهيرة، فهم الأقل بكاء وصراخاً لأنهم لا يحتاجون الى «مسرحة» عواطفهم كما أنهم يعفون عن اية غنيمة تأتي من القبر، لأن ادعياء الصداقة من طرف واحد يشتبكون عادة مع الدود على ما تبقى من أجساد الموتى.

وما كنت أحب أن اكتب عنه في يوم ميلاده لأنني لم أشهده بقدر ما شهدت وشقيت بيوم وداعه.

إن من كتب في صباه الشعري مقالة مشحونة بوعي نادر يطالب فيها النقاد المنافقين بالتوقف عما أسماه الحب القاسي، له الآن حيث يسهر أن يكتب مرة أخرى عن الوداع الأقسى وهو الأدرى منا بمن أحبوه ميتاً بقدر ما كرهوه حياً، وقد قالها هو بعبارة فصيحة لا تقبل المراوغة والتأويل.

لم يكن الاول ولن يكون الاخير الذي يزعم من شاهده عن بعد في أمسية شعرية انه أعد له القهوة في بيته أو يزعم من صافحه أنه يعرف أسرار حياته وعلاقاته وما لا يعرفه الآخرون.

حدث ذلك مع زعماء وحكماء وشعراء على امتداد الأزمنة، لأن الباحثين عن أي اعتراف يرمم نقصانهم يتسولون من الموتى مثل هذا الاعتراف.

وسواء أكان الاحتفاء بالولادة أو الموت فإن من قطع العمر شعراً زاوج بين مهده وتابوته، وأعلن العصيان على التقاويم فعبر الشهادتين معاً شهادة الميلاد وشهادة الوداع.

سطران فقط هما كل ما لدي في هذه المناسبة..

سأحاول أن أنوب عنك في غيابك لتكذيب من ادَّعوك ومن اختطفوك في كتاب يتزامن مع وداعك فإلى اللقاء!

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com