اللبنانيون واختيار الرئيس الجديد
اللبنانيون واختيار الرئيس الجديداللبنانيون واختيار الرئيس الجديد

اللبنانيون واختيار الرئيس الجديد

في خطابه في عيد الجيش اللبناني (أول أغسطس 2022) قال الرئيس ميشال عون (وقد بقيت من رئاسته ثلاثة أشهر) إنه سيبذل جهده لاختيار رئيس حديد يُكمل الإصلاح الذي بدأ به. وقد اختلف معه المعلِّقون على الخطاب في أمرين: فريق أنكر أن يكون عهده عهداً إصلاحياً يمكن المضيّ فيه من جانب مَن يخلفه في كرسي الرئاسة، وفريق قال إنه لن يجادله في طبيعة عهده وما إن كان إصلاحياً أم لا، بيد أنّ مساعيه ستنصبُّ أو انصبت على أن يخلفه في الرئاسة صهره جبران باسيل، وهو لن يحاول الوصول إلى هذا الهدف بكسب تأييد أكثرية الثلثين من أعضاء المجلس النيابي، كما يقتضي الدستور، بل حاول ويحاول استجلاب رضا زعيم الحزب الذي يسيطر على مقدرات البلاد.
ومع ذلك كلّه، أي محدودية التوقعات، فإنّ معظم اللبنانيين- كعادتهم- مشدودون إلى انتخابات الرئاسة، كما كانوا مشدودين إلى الانتخابات النيابية التي لم تأت بجديدٍ كثيرٍ أو كبير.
فلنعد إلى الانشداد الهائل لانتخابات الرئيس الجديد. كان العرب وبعض الأوروبيين والأميركان من أصدقاء لبنان، يتطلعون للرئاسة اللبنانية باعتبارها ذات خصوصية، ليس بسبب ديمقراطية الطريقة، بل لأنّ الرئيس اللبناني مسيحي من الطائفة المارونية، وهو وحيدٌ لهذه الجهة في عالم العرب والمشرق. وهذه «الفضيلة» ما عادت كذلك مع العهد الحالي بسبب تحكُّم الحزب المسلح بالمقادير، ولأنّ الرئيس عون في تحالفه مع الحزب، وتصرفاته السياسية، ما ترك للبنان ولا للمسيحيين صديقاً أو مهتماً، ربما باستثناء الرئيس الفرنسي الذي زار لبنان مراراً وأظهر اهتماماً خاصاً بمصائره.
الانشداد لانتخابات الرئاسة لا يزال يحصل من جانب المسيحيين بلبنان، لأنهم يعتبرون أنفسهم مؤسسيه (مع الفرنسيين)، ولأن الرئيس في النهاية واحدٌ منهم، وكل ماروني يستطيع أن يطمح للرئاسة. وقد كان التقليد الذي يجعل المترشحَ مؤهلاً حقاً أن يملك علاقات جيدة بفرنسا والولايات المتحدة ومن العرب بسوريا منذ سبعينيات القرن العشرين. وبعد عام 2005، وجلاء الجيش السوري عن لبنان، صارت مصائر الرئاسة بيد «حزب الله». ومن نتائج وقائعها انتخاب الرئيس الحالي ميشال عون. والواقع أن معظم المسيحيين اللبنانيين، نواباً وغير نواب، كانوا مع عون أيضاً، وقد اضطر نواب السنة والدروز إلى مماشاتهم. فاستطاع الجنرال عون إقناع المسيحيين بأنه الأقدر على حفظ مصالحهم، وبخاصةٍ أنه كان حليف الحزب وما يزال، والحزب راغب في حفظ الأقليات! إنما المسألة الآن أنّ معظم المسيحيين ما عادوا مع عون، وبالطبع ليسوا مع الحزب. وقد تبين ذلك في ثورة الشبان المسيحيين عام 2019، والتي وقف ضدّها رئيس الجمهورية وزعيم الحزب. وقد استخدم العونيون في مناطق المتن المسيحية المجاورة لبيروت وقتَها أجهزة الحرس الجمهوري وأمن الدولة، بينما واجه الحزبُ المتظاهرين في بيروت بتظاهرات مضادة اشتبكت معهم صارخةً: شيعة شيعة!
لا يعرض الحزب على المسيحيين واللبنانيين بعامة غير مرشحَين: جبران باسيل وسليمان فرنجية. وكلاهما غير مقبول من معظم المسيحيين، وإن وَجدَ بعضُ المسلمين سليمان فرنجية ألطفَ وقعاً. وفرنجية ليس عنده غير نائب واحد في مجلس النواب، وجبران باسيل عنده عشرون نائباً. وفي كل الأحوال، وإن جمع الثنائي الشيعي قوته في المجلس(27 نائباً) إلى قوتهم، فإنهم لا يجمعون أكثرية النصف بالمجلس، فضلاً عن أكثرية الثلثين المطلوبة بحسب الدستور. وفي كل الأحوال، ورغم الانتفاعية التي قد تزيد العددَ لمرشح الحزب أو حليفه، يظل الأمر بحاجة للتوافق من أجل الإيصال إلى الرئاسة.
وإيران هي الطرف الأول، لكنها ليست الطرف الوحيد، فهناك الفرنسيون وهناك الأميركيون. ثم إنّ السعوديين قد يصبحون طرفاً مع بقية العرب بعد بيان قمة جدة، وبعد البيان السعودي الفرنسي خلال زيارة ولي العهد السعودي الأخيرة لفرنسا. وفي كلا البيانين اهتمام بإخراج لبنان من أزمته. وإذا كان الفرنسيون يتحدثون إلى الإيرانيين على نحوٍ ما، وإلى السعوديين على نحو آخر، فإنّ الأميركيين والسعوديين لا يبدو أنهم متحمسون إلى حدّ التفاوض مع الحزب وإيران على هذا الأمر.
كان الكثيرون يعتبرون أن ميزة الصيغة اللبنانية الفريدة الانتخابات الديمقراطية رئاسةً ونواباً. لكن بعد أن تلاعب السوريون ثم الحزب بالنظام والمواعيد، صار مطلب المسيحيين اللبنانيين الاعتراف بخصوصيتهم. وقد رفع الحزب وعون هذه الحجةَ باعتبار أن معظم المسيحيين كانوا مع عون. أما الآن فلا تبدو أكثرية مسيحية مع أحد. وبين الداخل والخارج والصراع الناشب في كل المعمورة وتعذر التسوية، لا يبدو أن الرئيس الجديد سيُنتخب في المواعيد الدستورية.

الاتحاد

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com