الخروج من الوزارة
الخروج من الوزارةالخروج من الوزارة

الخروج من الوزارة

يقول المثل الشعبي إن الدخول إلى الحمّام ليس مثل الخروج منه. والوزارة كذلك. وهناك، في البلاد التي تعرفون، مناصب وزارية تعرض في المزاد. يدفع المتنافسون الملايين مقابل حقيبة ستعود عليهم بأضعاف ما دفعوا. وهو ما يسمونه، في الأمثال الشعبية أيضاً، الذمة الواسعة.
مع الإعلان عن الحكومة الفرنسية الجديدة، أول من أمس، كانت العبارة التي تكررت على ألسنة المعلقين هي أنها وزارة قد لا يزيد عمرها على الشهر. فهناك انتخابات تشريعية قريبة. وفي حال تغيرت الأكثرية البرلمانية فإن من المرجح تكليف زعيم الأغلبية بتشكيل واحدة جديدة. هل من المعقول أن يجلس المحظوظ أو المحظوظة على كرسي الوزارة لأسابيع معدودات ثم ينهض عنه ليتمتع بتقاعد وزير مدى العمر؟
نشرت «الفيغارو» تقريراً عن تقليص امتيازات الوزراء في السنوات الأخيرة. فالمواطن البسيط الذي بات يدخل إلى السوق متفرجاً ومستطلعاً أكثر منه متسوقاً، يرى قدرته الشرائية تتراجع بسبب الغلاء. وقبل أيام نزلت عبوات من قناني زيت الذرة إلى المتجر القريب فهجم عليها الناس وهم يتدافعون في مشهد نادر على هذه البلاد الرخية. إن هذا المواطن يقرأ ويقارن ويحاسب. وهو يحب أن يعرف كيف تنفق أموال الضرائب التي تؤخذ من جيبه.
جاء في التقرير أن الوزراء ما عادوا يتمتعون بامتيازاتهم كالسابق. لقد قلص فرنسوا هولاند، الرئيس الاشتراكي السابق، مرتباتهم بنسبة الثلث. والوزير الذي يخرج، حالياً، لن يتمتع بمرتبه مدى الحياة وإنما لثلاثة أشهر تالية، في حال لم يعثر على عمل. هذا ما يفرضه قانون «شفافية الحياة السياسية». ومع التقليص صار مرتب الوزير في فرنسا 9940 يورو. ورئيس الوزراء أقل من 15 ألفاً بقليل. إن رئيس أي مؤسسة ينال ما هو أكثر.
عند المغادرة يفقد الوزير امتيازات المنصب، أي المسكن الحكومي والسيارة والسفر المجاني في عربات الدرجة الأولى من القطارات. يبقى أن من حق أصحاب الوزارات السيادية، الداخلية والخارجية والعدل والدفاع، الاحتفاظ بحماية شخصية بعد مغادرتهم المنصب، وهذا في حال ارتأت الداخلية أنهم يحتاجونها. والحماية تعني حارساً أو حارسين. وليست جيشاً من العماليق المدججين ذوي النظارات السوداء وسيارات الدفع الرباعي.
وحده رئيس الوزراء يمكنه الاحتفاظ بسائق وسيارة وبسكرتير شخصي لمدة عشر سنوات بعد مغادرته المنصب، أو لحين بلوغه سن التقاعد، أي السابعة والستين. وفي حالة جان كاستيكس، الخارج تواً من رئاسة الوزارة، فإنه في السادسة والخمسين من العمر. وفي مقدوره التمتع بحارس شخصي إذا رغب في ذلك.
كل ما سبق لا يعني أن الدولة مثال في النزاهة. ففضائح الوزراء مع استغلال المال العام لا تُعدّ ولا تُحصى. وهي أكثر إثارة من أفلام السينما الفرنسية. وعادة ما تتعلق بتلقي «هدايا» أو بسوء استغلال المسكن الوظيفي وتخصيص شقق الدولة للأبناء. واستقال وزير بعد نشر تقرير في الصحافة يكشف أنه اشترى، من جيب الدولة، أنواعاً من السيجار الكوبي بفاتورة وصلت إلى 12 ألف يورو. واستقال آخر بعد اكتشاف حساب مصرفي خفي له في الخارج. ونائب ضاعت منه الرئاسة لأنه خصص مرتباً لزوجته.
وحدها فضيلة عمارة كانت على حق في التصرف بالمال العام. فهي عندما اختيرت وزيرة دولة لشؤون المدن رفضت التخلي عن شقتها السابقة المخصصة لذوي الدخل المحدود. شقق لا تتاح إلا بطلوع الروح. أما الشقة الوزارية الفخمة فتركت شقيقها يقيم فيها. وحين كشفت الصحافة تلك «الفضيحة» كان ردها أنها اليوم في المنصب وغداً ستغادره، فمن يعيد لها شقتها الرخيصة؟

الشرق الأوسط

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com