لبنان والانتخابات والمستقبل
لبنان والانتخابات والمستقبللبنان والانتخابات والمستقبل

لبنان والانتخابات والمستقبل

عندما يُنشر هذا المقال يكون اللبنانيون قد مضوا إلى صناديق الاقتراع. وقصة الانتخابات في لبنان قصة معقدة، فحتى اللحظة الأخيرة كان كثيرون يقولون أو يأملون أن تتأجّل الانتخابات لسببٍ أمني أو سياسي، وبخاصةٍ أنّ «التيار الوطني الحر»، حزب رئيس الجمهورية وصهره، ليس متحمساً لها. لكنّ حليفه «حزب الله» شديد الحماس وهو يقول لأنصاره من أجل حثهم إنها جهادٌ أو عبادة! وباستثناء ما يقال عن التيار الوطني الحر، كل المسيحيين متحمسون للانتخابات، وهم يعللون ذلك بأنها السبيل الوحيد للتغيير. وهذا هو منطق الحزبين المسيحيين المعارضَين، أي «القوات» و«الكتائب»، ومنطق جماعات «الثورة» السابقين، والذين يتشرذمون في عشرات الكتل بمختلف المناطق. بل إنّ بعض هؤلاء يتعملقون أيضاً في دوائر بيروت بحجة أن الشاب يؤيدونهم، ولا يؤيدون التقليديين السنّة وسواء أكانوا من أنصار الحزب (مثل الأحباش) أو خصومه! كيف توصلوا لاعتقاد ذلك؟ ليس بسبب ثورية شباب السنّة بالتأكيد، بل لأنّ التيار السني الرئيسي («المستقبل») أعلن رئيسُه سعد الحريري اعتزالَ الانتخاب ترشيحاً وتأييداً. ولهذا السبب طمع كل الآخرين، وفي طليعتهم الحزب المسلح والمدنيون الثوريون، في اجتذاب السنّة إليهم بالاستهواء أو بالمال.
ما هي حقيقة وضع السنّة؟ هم في معظمهم غير متحمسين للانتخاب، ليس بسبب اعتزال الحريري، بل لاعتقادهم أنه لا جدوى من وراء ذلك. فقد فازوا في الانتخابات مرتين ضمن تحالف «قوى 14 آذار» (2005 و2009) وظلّ الحزب المسلَّح متحكماً في البلاد والعباد ومنها بيروت! ولا يعني ذلك أنه ليس بين السنّة طموحون. ولذلك تكونت عدة لوائح وبعضها من بقايا «المستقبل»، والبعض الآخر من المتمولين الذين يريدون الوصول لمجلس النواب بأي ثمن. ومن هؤلاء إسلاميويون وأثرياء محليون. وهذا الوضع لا يقتصر على بيروت، بل يتعداها إلى طرابلس وعكار والبقاعين الغربي والأوسط. وبين اللوائح المتكاثرة في مناطق السنة هناك اللوائح التي يدعمها الرئيس فؤاد السنيورة الذي لم يقبل باعتزال الحريري ونظّم لوائحَ في كل مكان.
وهناك أخيراً الدوائر الهادئة والصغيرة: دوائر الدروز وسليمان فرنجية. فقد يخسر جنبلاط نائباً أونائبين وكذلك فرنجية، لكنّ الغالبية ستظل له أوْلهما. دوائر الثنائي الشيعي، أي دوائر العبادة والجهاد وحرب تموز (2006) السياسية، كامل السيطرة فيها لذلك الثنائي، ولا يجرؤ أحد على الترشح ضدهما. والثنائي يقول إنه هو وأنصاره المسيحيون والسنّة سيحصلون على الأكثرية كما في مجلس النواب الأخير.
الصراع العنيف إذن يبقى في الدوائر المسيحية. وحزب القوات اللبنانية هو الذي يصارع العونيين بشراسة. وللقوات 15 نائباً في المجلس الحالي، ويأمل زعيمها أن يتضاعف عددهم على حساب جبران باسيل. إنما –وكما سبق القول- لا يتحالف الثوريون مع الحكيم جعجع، وبذلك تتشرذم الأصوات، وقد يصب ذلك لصالح باسيل في بعض المناطق. كيف ينظر المراقبون المحايدون إلى الانتخابات ونتائجها؟
يقولون إنّ الأكثرية قد لا تبقى لـ«حزب الله» وأنصاره، والجميع يخشى من نتيجة عكس كهذه. المفتي دريان دعا لكثافة التصويت، وعدم التصويت للفاسدين. والبطريرك الراعي متشائمٌ أكثر ويقول إنّ لبنان سائر للانتحار، ويخشى من أن يكون ما بعد الانتخابات أسوأ مما قبلها! الانهيار في لبنان شامل على كل المستويات، ويزداد تفاقماً منذ عام 2019. وهناك تخلٍّ عربي ودولي عن لبنان بسبب وجود «حزب الله» وتحكمه، واستشراء الفساد، وهو في نظر معظم الجهات تنظيم إرهابي.
ويعتبر فريق يميل للسخرية السوداء أنّ الانتخابات اللبنانية ما كانت أبداً سبيلاً للتغيير، لكنها فرصة للكسب للفقراء والمحتاجين، بسبب الأموال الهائلة التي تُنفق فيها على شراء الأصوات.
أين الرؤية المستقبلية في ذلك كله؟ ليس هناك رؤية مستقبلية، بل هناك نزعة سوداوية تتزايد باطراد من ثلاث سنوات.

الاتحاد

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com