القصة الأردوغانية في شرقنا!
القصة الأردوغانية في شرقنا!القصة الأردوغانية في شرقنا!

القصة الأردوغانية في شرقنا!

محمد الرميحي

شخصياً أكره أن أتحدث في السياسة عن الأشخاص، ما يهم في رأيي هو التوجهات وبناء المواقف التي تصل الى نتائج مفيدة. ففي عصر متقلب، أن تتخذ الدولة ما يناسبها من قرارات في المصالحة أو المخاصمة هو شأن من شؤون تلك الدولة وشعبها، لذلك ليس هناك مكان اعتراض على زيارة الرئيس الإسرائيلي تركيا، فعلاقة البلدين قديمة والتاريخ يقول لنا إن تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل، ولكن ذلك تاريخ لا علاقة للإدارة التركية الحالية به. ما لها علاقة به هو تنامٍ مطرد في علاقتها الاقتصادية والعسكرية التي نمت بشكل كبير في العهد الأردوغاني في الوقت الذي تبيع الإدارة الأردوغانية "عداءها اللفظي" لإسرائيل في السنوات الأخيرة على جمهور واسع من العرب. وقد صدّق الجمهور أو أغلبه ذلك، وقد يكون معذوراً بسبب نقص المناعة المعرفية أو بسبب ضياع البوصلة.

الحيرة أن من صدقته ودعت إليه نخبة، فذلك ما يقلق بل وفي بعضه يُذهل.
حتى لا تسير الأمور على عواهنها، فإني أذكر نصوصاً جرى من جديد توزيعها على وسائل التواصل الاجتماعي لثلاثة من "المؤثرين" في الكويت، مرة أخرى لا تهم الأسماء، الأكثر أهمية هي الأفكار.

قال أولهم: "تركيا بعلاقتها مع إسرائيل، لاحظ كيف بدأت تتطهر من ذلك الدنس وتوظف ما كان عندها من علاقة في خدمة القدس وأوقاف القدس"! قال الثاني: "لو قسمنا مواقف الدول العربية والإسلامية من القضايا الإسلامية كقضية فلسطين، سنجد أن تركيا في المقدمة وفي كثير من القضايا الدور التركي متقدم على الأدوار الأخرى، بل هو القائد لهذه الأدوار، القيادة التركية في الحقيقة موقفها مشرف، وفي كثير من قضايانا كان المعبر عن نبض الأمة ونبض الشارع هم الأتراك (الله يحفظهم) سواء كحكومة أو كشعب، ونسأل لهم التوفيق في الدنيا والآخرة!"، وقال الثالث باللهجة المحلية: "والحين شُوف تركيا في العالم الإسلامي، وقفتك هذه ضد إسرائيل تؤلب عليك شارعاً عريضاً في تركيا، هذه (معاداة إسرائيل) عبادة بالنسبة إليه (أردوغان)، فهو رجل خارق، رجل اسطوري، رجل معجزة"!! (كل ذلك في شريط متداول بالصوت والصورة)! الكلمات هنا: معجزة، قائد للدور، خارق... الى آخره من صفات التعظيم.

هؤلاء الثلاثة ليسوا من أعمة القوم وليسوا من جُهالها، هم قيادات سابقة ولاحقة أو قريبة من "الإسلام الحركي" وقد وظفوا بقدرتهم اللغوية وحركات الجسد ما يعتقدون أنه إسلام في السياسة التي هي متغيرة وشديدة التعقيد ممزوجاً رأيهم بمواقف مسبقة أو على الأقل غير حصيفة، بسطوا المقولات الدينية في سياسة رجل موقتة تحكمها المصالح لا الايديولوجيا. هنا بيت القصيد، وكيف يمكن أن نفسر تلك المواقف؟

على مقلب آخر، بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين! Self appointed body فهو فضيحة بمعنى الكلمة، قال البيان: "فوجئنا بالزيارة الرسمية التي قام بها رئيس دولة الاحتلال الى الجمهورية التركية". الكلمة المفتاح هنا "فوجئنا" وأكمل البيان، لأن هذه الخطوة "لا تليق بشهامة الشعب التركي العظيم"!!

في موقع آخر، نقل عن خالد مشعل أن ما يفعله أردوغان (في استقبال الرئيس الإسرائيلي) "هو تكتيك استراتيجي ضد دولة الاحتلال"!!، ولكن هذا التصريح نفي في وقت لاحق، وأصدرت حركة "حماس" بياناً، ولا أكثر منه وضوحاً يقول: "تتابع حركة المقاومة الإسلامية – "حماس" – بقلق بالغ زيارات مسؤولي الكيان الصهيوني وقادته لعدد من الدول العربية والإسلامية، وآخرها زيارة رئيس الكيان الصهيوني إسحاق هرتسوغ لعدد من دول المنطقة"!! تمهل (لعدد من دول المنطقة)!! أي دول؟؟

لا بد من البحث عن سبب العمى السياسي الذي يحيط بالكثير من النخب العربية في الكثير من الملفات السياسية العربية والدولية وطريقة معالجتها.

لم أنقل ما سبق من تصريحات للتشفي. ذلك أبعد ما يجول بخاطري، ولكني نقلت السابق حتى أصل مع القارئ الكريم الى أننا أحوج ما نكون الى العقل في تعاطينا شؤوننا، فإن تعاطينا العمل السياسي تعاطٍ عاطفي ولا توجد له في الميزان العقلي والعلمي أي مرجعية، ونطعم جمهورنا الكثير والمثير من الشعارات، فوق ذلك كله نخلط الديني بالسياسي خلطاً فاضحاً ونقدمه سُماً لجمهور يكاد يفقد الوعي بما حوله.

لا أعتقد أن من حقنا الموافقة أو الاعتراض على ما تقوم به الدولة التركية، الاعتراض أن يقوم السياسيون بدغدغة مشاعر البسطاء واعتبار بعضنا أن ما يأتي منهم من كلام، هو فعل! في الحقيقة هو كلااام في كلااام... فهل نحن محاطون بحمقى يُحسنون لنا المزيف على أنه حقيقي!! ومن ثم تجري المراهنة دائماً على الحصان الخاسر!!

النهار العربي

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com