ستالين والحاشية
ستالين والحاشيةستالين والحاشية

ستالين والحاشية

إنعام كجه جي

من المثير للأسى أن يزعم بعضهم أن الزعيم الفلاني كان ضحية حاشيته. القسوة لم تكن طبعاً فيه لكنه كان مضطراً لاستخدامها. بطش بخصومه للمضي في إنجازاته وحماية الوطن وكرسي الحكم. ومثلما أن القسوة درجات فإن بطشاً عن بطش يفرق. وهناك بين الحكام من أباد من أبناء شعبه أكثر مما قتل من أعدائه. ولنا في بعض بلادنا أمثلة معروفة. فهل يقع الذنب على الحاشية، وعلى تحكم الزوجات، وتفشي الفساد المالي بين الأبناء والأقارب؟ ولا ننسى الأصهار. إنهم في بعض الحالات طامة كبرى.
والحاشية، في اللغة، هي الطرف من الشيء. وجمعها حاشيات وحواشٍ. ويوصف الرجل لطيف المعشر بأنه «رقيق الحاشية». أما حاشية الزعيم فهي أعوانه ومن يستمع إليهم، أي يمنحهم أذنه. وتكتظ كتب التاريخ بوقائع عن هؤلاء. وبينهم من يسارع إلى نشر المذكرات بعد سقوط الحاكم، للتبرؤ ونفض اليد.
مناسبة الكلام كتاب للمؤرخة الأسترالية شيلا فيتزباتريك بعنوان: «في فريق ستالين». والمؤلفة أستاذة جامعية ومن أعضاء الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم وحائزة جوائز عالمية. وبهذا فإنَّ كلامها لا يؤخذ على عواهنه، خصوصاً أنَّها قد نصَّبت نفسها محامية للشيطان. لواحد ممن يوصفون بالجزارين.
هناك مئات الكتب عن ستالين بعشرات اللغات. ملأت سيرته مجلدات. فيها ما هو حقيقي وما هو ملفق. صبي من جورجيا تزعّم عصابة من الفتيان ثم قاد نصف العالم الغربي. ولد باسم جوغاشفيلي وحمل بعد ذلك العديد من الأسماء. المقربون منه سموه «كوبا»، أي الرجل الحديدي. لكن الملايين من مواطنيه عرفوه بصفته «أبو الشعب». الملايين ذاتها التي أرسلها إلى معتقلات السخرة في سيبيريا. وهو لم يحتكر تلك الصفة بل شاركه فيها زعماء في الشرق والغرب. كانت أبوة الأمة من هواياتهم، يلتقطون الصور مع الأطفال ويقبلون خدودهم. حتى الوحوش تحب الطفولة.
نبشت المؤلفة وثائق الاتحاد السوفياتي السابق التي أفرج عنها حديثاً. اجتهدت لترسم للقائد الشيوعي صورة مغايرة عن تلك التي وصم بها. تكتب أنه كان رجل دولة قام بأعظم الأعمال. امتلك الفضول للمعرفة وكانت له جاذبية خاصة. سحر رئيس الوزراء البريطاني تشرتشل الذي زاره في الكرملين. وكسب إعجاب الجنرال ديغول. كتب القائد الفرنسي في مذكراته أنه أمضى معه وقتاً رائعاً.
من أين جاءته إذن سمعته السيئة؟ الجواب: من مثقفي اليسار. أي أنصار خصمه تروتسكي، الماركسي البارز وأحد زعماء ثورة أكتوبر. اغتيل عام 1940 على يد جهاز الأمن فتحول إلى الرمز الوديع الذي كان الأجدر بخلافة لينين. كان تروتسكي شخصية أنيقة. صاحب الفنانين وأجاد الحديث بعدة لغات. بينما ستالين ثقيل يتكلم بلسان ثقيل. لكن المؤلفة تعترف أن الاثنين كانا بالدموية ذاتها، مع اختلاف النسبة. بطش عن بطش يفرق.
حين رقد لينين ضعيفاً على فراش الموت راحت الحاشية تتجاذب السلطة. كتب، أواخر 1922، ملاحظات استعرض فيها خلفاءه. واحتفظت زوجته بالوصية لحين وفاته ولم تسلمها إلى الأمين العام للحزب الشيوعي إلا بعد سنتين. وفيها يصف لينين رفيقه ستالين بالعنيف، ويقترح التفكير في شخص أكثر تهذيباً وتسامحاً. وهو ما لم يتم.
زعم ستالين أن الوصية مزورة. ظل طيلة حكمه ينفي وجودها. لكن مع إصرار عدد من مساعدي لينين، تمت قراءتها داخل المؤتمر 13 للحزب على ألا تعلن للعموم. ومع سقوط ستالين أخرجها خليفته خروتشوف إلى النور. في يد الحاشية أن تخفي وفي يدها أن تكشف.

الشرق الأوسط

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com