للأردن حضور عميق في الوجدان الإماراتي
للأردن حضور عميق في الوجدان الإماراتيللأردن حضور عميق في الوجدان الإماراتي

للأردن حضور عميق في الوجدان الإماراتي

عبدالخالق عبدالله

تعيد احتفالات المملكة الأردنية الهاشمية بمناسبة مرور 100 عام من الأمن والسلام والبقاء والاستمرار إلى ذاكرة الإماراتيين فضائل الأردن التي لا تعد ولا تحصى عليها.

فالأردن، يتمتع كقيادة وشعب بمكانة ومعزة خاصتين في وجدان كل عربي، وكل خليجي، وبكل تأكيد في قلب كل مواطن إماراتي.

وهذه المحبة الخاصة من الإمارات للأردن، نابعة من علاقات تاريخية وأخوية قديمة ومستقرة وعميقة ونموذجية تربط البلدين العربيين منذ ستينيات القرن الماضي، وهي اليوم أقوى من أي وقت مضى، وتتجه نحو المزيد من التنسيق والتعاون والتكامل الذي يصل حد التطابق.

فقد كان الأردن في مقدمة الدول العربية التي أسهمت في بناء الإمارات قبل وخلال المراحل التأسيسية الصعبة الأولى، بعد الاستقلال وبروزها كدولة اتحادية في 2 ديسمبر 1971، كما أسهم الأردن في تطوير التعليم والصحة والبنية الإدارية والتشريعية والنظام المالي وحتى في بناء جيش الإمارات الذي أصبح اليوم من أقوى الجيوش العربية.

وعندما انفتحت الإمارات على وطنها العربي بعد 170 سنة من الانغلاق والاستعمار، انفتح على الأردن أولا، فكان المدرس الأول من الأردن، والإداري الأول من الأردن، والضابط الأول كان من الأردن، وهكذا في بقية المجالات التنموية والمعرفية.

 كانت الإمارات تنظر باعتزاز وإعجاب شديدين إلى الأردن، الذي كان منارة للمعرفة ووجهة ملهمة لنظام ملكي مستقر ومزدهر، استطاع أن يمزج بنجاح بين الأصالة والحداثة.

ونجح الأردن في الحفاظ على ثوابته وانفتح على عصره وعالمه، وكان قدوة الإمارات وبقية دول الخليج العربي.

لذلك كله، للأردن حضور عميق في الوجدان الإماراتي، وصورته وسمعته في الوعي والإدراك الخليجي أكثر من مشرقة، وترتبط أولا بكون الأردن نموذجا للاعتدال في منطقة عربية وشرق أوسطية تعج بالغلو والتطرف والتشدد والتزمت بكل أشكاله.

وثانيا، لكونه نموذجا للسلام والاستقرار في منطقة عربية تعج بالعنف والحروب وعدم الاستقرار بل هي من بين الأعنف على وجه الأرض.

وثالثا، لكون الأردن نموذجا لنظام ملكي وراثي حافظ على بقائه واستمراره وصموده رغم رياح التغير والفوضى العاتية وعلى الرغم من هبّات ثورية وانقلابية عصفت ولا زالت تعصف في جواره الجغرافي.

المكون الأول لصورة الأردن الإيجابية والمشرقة في الوعي والإدراك الإماراتي والخليجي يرتبط أشد الارتباط بالاعتدال والاتزان الأردني الملهم إماراتيا وخليجيا، بل إن الأردن في اعتداله وتوازنه ووسطيته أصبح إحدى أهم ركائز محور الاعتدال العربي، في الوقت الذي أصبح فيه نهج وصوت الاعتدال اليوم أهم وأغلى سلعة في منطقة تعج بقوى التطرف والغلو والتشدد التي تنفلت من عقالها بين الحين والآخر بشكل عنيف وفوضوي ومدمر.

فقد جلب داء الغلو والتطرف إلى الوطن العربي الخراب، وأعاد عقارب ساعته التنموية والمعرفية والحضارية عقودا إلى الوراء، وذهب به من سيئ إلى أسوأ، ومن إخفاق إلى إخفاق أكبر، ومن هزيمة عسكرية إلى هزيمة أشد وقعًا.

فلم يحقق تيار التشدد والتطرف والغلو العقدي والسياسي أي بند من بنود المشروع النهضوي العربي على مدى الـ100 سنة الماضية، كما لم يحقق الوحدة العربية التي أصبحت أكثر استحالة، ولم ينجز التنمية العربية العاثرة والمتعثرة، ولم يحرر شبرا واحدا من أرض فلسطين المحتلة.

وفي وسط كل هذا، حافظت البوصلة الأردنية على اعتدالها واتزانها ووسطيتها، ولم تنجرف بوصلة الأردن إلى أقصى اليمين ولا إلى أقصى اليسار.

كان التوازن والاعتدال ديدن الأردن على امتداد قرن كامل، وهذا من بين أمور عديدة، حبب دول الخليج العربي في الأردن منذ تأسيسه الأول، فنهجُ الاعتدال أسهم في صمود نظام الأردن الملكي الهاشمي، وأنقذه من المصير المظلم، الذي آلت إليه الأنظمة الثورية والتقدمية في جواره الجغرافي.

وقد استوعبت دول الخليج العربي دروس الاعتدال الأردني، وكان الاعتدال نهجها في الحفاظ على استقرارها وازدهارها وبروزها كمركز ثقل عربي جديد.

وفي السياق ذاته، كانت بوصلة الأردن تتجه دائما نحو قبلة السلام، وارتبطت صورة وسمعة الأردن في الإدراك الخليجي أشد الارتباط بسعيه للسلام في منطقة عنيفة عانت ما عانته من ويلات الحروب التي لم تعد تتوقف.

المنطقة التي ينتمي إليها الأردن، الممتدة من أفغانستان شرقا إلى موريتانيا غربا، هي منطقة حمراء وتزداد احمرارا، ومنطقة خطرة وازدادت خطورة مؤخرا، وهي حتما من بين الأعنف على وجه الأرض.

كما أن جوار الأردن الجغرافي يعج بالصراعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية العابرة للقارات والميليشيات التابعة لقوى إقليمية غاشمة لا تود الخير للوطن العربي.

لكن وعلى الرغم من ذلك، ظل الأردن منارة للاستقرار وصوت السلام، وسلك الأردن الذي اكتوى واكتفى حروبا، طريق السلام، الذي هو قراره السيادي النابع من مصالحه الوطنية، فلا يحق لكائن من كان أن يجادله فيه، كما لا يحق لأحد أن يزايد على هذا البلد العربي في دعمه ووقوفه مع حق الشعب العربي في فلسطين، وفي إصراره على قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس، فقد دفع الأردن ثمن مواقفه مع الحق الفلسطيني أكثر من غيره.

لكن الأردن أدرك مبكرا أنه لا يمكن هزيمة هذا المحتل الإسرائيلي الغاشم عسكريا، عبر شعارات وخطابات ثورية تدغدغ مشاعر الإنسان العربي وزجت بقضية فلسطين العادلة إلى متاهات مظلمة وأدخلتها في نفق مظلم.

لقد سقط شعار ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، مع سقوط التيار الناصري والقومي وانتهى زمنه، سقط هذا الخطاب في النكبة، وسقط في النكسة وسقط وسط انتكاسات متتالية ومتكررة. لذلك كان نموذج السلام الأردني كحال نموذج الاعتدال الأردني، ملهما إماراتيا وخليجيا وعربيا للسير في طريق السلام، عسى أن يسترد بالسلام ما أخذ بالاحتلال الغاشم.

وبقدر ارتباط صورة وسمعة الأردن في الوعي والإدراك الخليجي بالاستقرار والسلام، جاء أيضا ملتصقا بنظامه الملكي الوراثي الدستوري، الذي تمكن من البقاء والاستمرار والصمود رغم أنه يعيش بجوار أنظمة ثورية وتقدمية، كانت تصدر خطابها الثوري والتحريضي ليلَ نهار لزعزعة أمن واستقرار الأردن على مدى 7 عقود من الزمن وأكثر.

الخصوصية والحتمية الملكية الأردنية الهاشمية كانت ملهمة خليجيا، بل هي أكبر قاسم مشترك بين الأردن ودول الخليج العربي.

وهناك دروس وعبر بليغة في كيفية تمكن الأردن بنظامه الملكي الوراثي من البقاء والاستمرار والصمود على مدى 100 سنة، متحديا موجات ثورية عاتية وتحولات سياسية متلاحقة كان آخرها ثورات الربيع العربي.

وعموما، أكد الأردن كما أكدت النظم الملكية العربية قدرة عجيبة على البقاء والاستمرار والصمود، وأظهر مرونة مدهشة في التكيف والتأقلم مع تحولات إقليمية وعالمية استثنائية. وعلى الرغم من الشك والتشكيك في صلاحية النظم الملكية العربية من القوى الثورية والتقدمية، جاء الأداء التنموي والمعرفي لكل من المغرب والأردن والسعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وسلطنة عمان، أفضل بكثير من أداء الجمهوريات العربية.

وربما من أهم البنود التي سجلتها الملكيات العربية، أنها لم تمارس القمع البوليسي المبالغ فيه، ولم تبالغ في تحقير شعوبها كما فعلت أنظمة وصفت نفسها بالتقدمية والثورية والاشتراكية. هذه جردة بسيطة وسريعة لسمعة وصورة الأردن المشرقة في الوعي والإدراك الشعبي والرسمي في دول الخليج العربي، التي وقفت وتقف مع الأردن في السراء والضراء، وتشاركه اليوم في احتفالاته بمرور مئة سنة من الأمن والسلام والبقاء والاستمرار.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com