20 عاما على أحداث 11 أيلول.. العالم لم يتغير كثيرا
20 عاما على أحداث 11 أيلول.. العالم لم يتغير كثيرا20 عاما على أحداث 11 أيلول.. العالم لم يتغير كثيرا

20 عاما على أحداث 11 أيلول.. العالم لم يتغير كثيرا

عبدالخالق عبدالله

في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 قام 19 إرهابيا باختطاف أربع طائرات مدنية نفذوا من خلالها أربع عمليات إجرامية في مدينتي نيويورك وواشنطن الأميركيتين، أدت الى مقتل 2977 مدنيا تراوحت أعمارهم بين عامين و85 عاما من 115 دولة.

بعد عشرين سنة من تلك العملية الإرهابية الشنيعة، لم يتغير العالم كثيرا ولم تتغير أميركا إلى الأفضل، ولم يختفِ الإرهاب من العالم ولا يتوقع أن يتبخر من الوجود قريبا. فالكراهية بين الحضارتين الغربية والإسلامية مستمرة، بل هي في أسوأ حالاتها. ولم تتمكن الحرب على الإرهاب بقيادة أميركا ومشاركة أكثر من 130 دولة، من القضاء على الإرهاب العابر للقارات. وبعد مرور عقدين من الزمن على وقائع 11 أيلول (سبتمبر) يظل العرب والغرب في حالة تخندق وتراشق وتباعد وخصومة سياسية وحضارية، وكأن التخندق الحضاري مصير وقدر لا راد له.

أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الإجرامية قطعت في غفلة من التاريخ جسورا حضارية عديدة قائمة عبر عقود من الزمان. لقد بذل عقلاء القوم، على مدى عقود وأجيال، جهداً مخلصاً لبناء جسور لتحقيق حسن الجوار الجغرافي والحضاري والعيش بسلام نسبي. لكن في لحظة غاضبة وخاطفة، قام حفنة من سفهاء القوم من أتباع الإرهاب العابر للقارات بفعل إجرامي طائش أدى الى تقطيع معظم تلك الجسور الخشبية الهشة إرباً إرباً.

بعد مرور 20 سنةً لم يتم إصلاح وترميم أي من تلك الجسور الحضارية المتقطعة، ولا يمر يوم دون تقطيع ما تبقى من جسور. اما العمل الجاد على بناء جسور حضارية ذهبية أو فضية جديدة ومستدامة بين العرب والغرب فلم يبدأ بعد وقد يستغرق الأمر أجيالاً عدة.

لم تدمر أحداث يوم 11 أيلول (سبتمبر) جسوراً حضارية فحسب، بل عمقت التباعد والتخندق بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية. عاد الطرفان إلى خنادقهما متوثبين ضد بعضهما بعضاً. خلال العقدين الأخيرين لم يتوقف التراشق والعداء يوماً واحداً. التخندق والتحفز والشك والاشتباك والتشاجر الحقيقي والمفتعل مازالت سمة اللحظة الحضارية، ولا تبدو في طريقها للتراجع، التخندق الحضاري الذي لا يليق بحضارات واثقة من نفسها وتدعي أنها أصل الانفتاح والتسامح والاعتدال وفصله، جاء ليبقى، وأخذ يتغذى ويتقوى مع بروز جماعات التشدد والغلو على جانبي التمترس، التي تعمل على تأجيج التشاجر، وتستفيد من التراشق، وتتسبب في جولات من العنف والعنف المضاد والعنف المفرط. فمقابل متشدد واحد هنا، هناك ألف متشدد، ومقابل ألف متشدد هناك يوجد مليون متشدد هنا. ومقابل كل غزو أميركي هناك غزوة جهادية، ومقابل كل كر هناك فر، ولم يخرج أي طرف من تخندقه ولم يتمكن أي طرف من توجيه ضربة قاضية ساحقة ماحقة للآخر.

يتغذى التخندق الحضاري على الكراهية البارزة والمبطنة، والمعلنة والمسكوت عنها. فمنسوب الكراهية المتبادلة زاد عن حده بعد 11 أيلول (سبتمبر) وبلغ مستويات غير مسبوقة وغير معهودة في تاريخ العلاقات بين المسلمين والغرب. الغرب اليوم أكثر كراهية للمسلمين، وأقل تسامحاً مع المسلم المهاجر. والعالم الإسلامي أكثر كراهية لأميركا التي توصف أحياناً بالشيطان الأكبر وبعدو الشعوب وبالقوة الامبريالية الغاشمة التي شنت حرباً خاسرة في أفغانستان وقامت بغزو العراق بذرائع باطلة وتساند أنظمة الاستبداد والفساد العربي وتنهب ثروات الشعوب. في الساعات الأولى من 11 أيلول (سبتمبر) برز السؤال لماذا يكرهوننا كل هذه الكراهية؟ ظل هذا السؤال عالقاً معلقاً يتردد في الكواليس وفي الأوساط الشعبية والنخبوية حتى هذه الساعة.

ارتبط سؤال لماذا يكرهوننا بسوء فهم تاريخي عميق متبادل بين العرب والغرب، ثم جاءت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) لتذهب بسوء الفهم بين العرب والغرب إلى القاع الذي لا مستقر له. بعد عقود من التعارف والحوار والأخذ والعطاء، والجيرة الجغرافية والحضارية، فشل الغرب في فهم العرب، وفشل العرب في فهم الغرب. أطنان من سوء الفهم التي كانت سائدة قبل 11 أيلول (سبتمبر)، تضاعفت أضعافا مضاعفة بعده وضع الغرب العالم الإسلامي بدوله وأممه وشعوبه وقبائله ورجاله ونسائه وبخاصة شبابه في قفص اتهام الإرهاب، كل مسلم أصبح مذنباً بسبب فعل إجرامي خططت له ونفذته حفنة بائسة مكونة من 19 شاباً عربياً تخرجوا في تنظيم إرهابي بقيادة إرهابي استقر في قاع البحر.

اخفق العرب، لم يتمكن العالم الإسلامي بكل ما يملكه من ثروات وعقول وعقلاء في إقناع الرأي العام العالمي بأن الإسلام دين سلام وتسامح واعتدال، وأن العربي والمسلم لا يكرهان بالضرورة مسلمات الغرب الحضاري وإنما هما غاضبان من ممارسات الغرب السياسي.

المؤكد أن الغرب القوي والمهيمن والطرف العربي الضعيف والمفكك أخفقا إخفاقاً شنيعاً في القضاء على ظاهرة الإرهاب العابر للقارات الذي أسسه تنظيم "القاعدة"، وتسلم رايته لاحقاً تنظيم "داعش" وفي الأفق تنظيم "داعش ولاية خراسان" الذي برز عام 2015 ويعتبر حركة "طالبان" المتشددة غير ملتزمة بالشريعة الإسلامية كما يجب. عودة "طالبان" المجلجلة قد تشكل حافزاً لعشرات التنظيمات الإسلامية الجهادية الأخرى كتنظيم "القاعدة"، و"القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، وتنظيم "داعش ولاية سيناء"، و"حركة الشباب في الصومال"، و"بوكو حرام " في نيجيريا، و"جماعة أبو سياف" في الفيليبين، و"الحزب الإسلامي" في تركستان الصين، و"أنصار الشريعة" في ليبيا و"أحرار الشام" في إدلب شمال سوريا، وحتى جماعة "الإخوان المسلمين" التي تحتفل حالياً بهزيمة أميركا في أفغانستان. هناك احتفالات في أوساط هذه الجماعات العبثية التي تهدد أمريكا. أما لسان حال أمريكا فهو إن عدتم عدنا.

لا جديد تحت الشمس، فهزيمة أمريكا في أفغانستان عام 2021 تعيد عقارب الساعة من جديد الى 11 أيلول (سبتمبر) 2001. العالم الذي يستذكر غدا 11 أيلول (سبتمبر) لم يتغير كثيرا. فأمريكا تؤمن بالبطش، والتظيمات الجهادية تؤمن بالعنف والإرهاب، والعالم الإسلامي في حيرة تجاههما. والوطن العربي ليس في أحسن حالاته تنمويا وسياسيا ومعرفيا وحضاريا. توقفت عقارب الساعة عند 11 أيلول (سبتمبر)، لا يراد لها ان تتقدم أو تتأخر ثانية واحدة.

النهار العربي

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com