لبنان الذي اختار طريق إيران المفروش بالأشواك
لبنان الذي اختار طريق إيران المفروش بالأشواكلبنان الذي اختار طريق إيران المفروش بالأشواك

لبنان الذي اختار طريق إيران المفروش بالأشواك

عبدالخالق عبدالله

أمضيت جزءاً من إجازة صيف 2021 في لبنان الذي وجدته في أسوأ حال منذ أول زيارة لي لبيروت سنة 1973. صعدت أكثر من قمة، وزرت مكتبات عدة، والتقيت زملاء أكاديميين وباحثين وصحافيين ومبدعين ومسؤولين سابقين ورجال أعمال. الانطباع العام الذي خرجت به من هذه اللقاءات أن لبنان يتجه من سيئ إلى أسوأ، ومن بؤس إلى بؤس أعمق، وأكثر الناس تفاؤلاً لا يرى النور في نهاية النفق المظلم.

الكل مجمعون على أن أوجاع لبنان لن تنتهي قريباً، بل هي في الدقائق الأولى من ساعة لبنانية توقفت عن الحركة وأخذت تعود إلى الوراء. ما هناك من فرج ينتظر اللبنانيين قريباً.

سمعت رجل الأعمال يقول بحرقة: "لقد أصبح لبنان أسوأ من بنغلاديش"، أما الباحثة التي تتابع الشأن اللبناني عن قرب فتقول: "وضع لبنان اليوم أسوأ من وضع اليمن".

البيانات الأممية تؤكد ما يعانيه اللبناني من ذلّ على أرض الواقع. فأكثر من 77 في المئة من العائلات اللبنانية لا تملك ثمن طعامها اليومي. و44 في المئة من أطفال لبنان ينامون وهم جياع. و4 ملايين لبناني يتعرضون لخطر فقدان المياه الصالحة للشرب. وارتفعت أسعار السلع الأساسية 700 في المئة، وأسعار السلع الغذائية 550 في المئة خلال سنة واحدة. كما توقف نصف مستشفيات لبنان عن العمل بسبب غياب الأدوية وانقطاع الكهرباء واختفاء الوقود، وغادر 1200 طبيب من بين أفضل الكفاءات الطبية، إلى خارج لبنان في الربع الأول من 2021، و77 في المئة من الشباب اللبناني يفكرون بالهجرة من لبنان.

وهذا قليل من كثير، وسببه داخلي وليس خارجياً كما يتوهّم اللبناني المحبط والذي يعتقد أن العالم يتآمر ضد لبنان ويخطط لتركيعه. 90 في المئة من أوجاع لبنان سببها: فساد، فقر، سوء إدارة، عملة منهارة، رئيس مترهل، رئيس برلمان من أكبر المنتفعين، محاصصة طائفية كارثية، منظومة سياسية فقدت صلاحيتها، حكومة تصريف أعمال ضعيفة، أحزاب كرتونية مرتَهنة للخارج، بنية تحتية متهالكة، هجرة عقول وخبرات وكفاءات، لم يشهد لبنان لها مثيلاً منذ 100 سنة.

أمّا أكبر بلاء ابتلى به لبنان أخيراً، فهو تغوّل حزب إيران على الشأن اللبناني. لبنان جنة انقلبت إلى جهنم في عهد "حزب الله" وعهدته. هذا الحزب جعل لبنان بلداً بلا كهرباء، بلا مستشفيات، بلا طحين، بلا بنزين، بلا عقول، بلا مستثمرين، بلا سياح وبلا شباب مبدع بعدما قرر الهروب من جحيم لبنان.

حزب إيران، حوّل الدولة اللبنانية دويلة تنكمش يوماً بعد يوم. حزب إيران اخترق المؤسسات السياسية والأجهزة الأمنية، ويسيطر على المنافذ البرية والجوية والبحرية، ويُشرف على الفساد وتجارة المخدرات. أما زعيمه المفوّه الذي يتطاول على دول الخليج ورموزها، فيقول إنه "جندي من جنود ولاية الفقيه في إيران".

سمعت من الباحث اللبناني: صحيح أن "حزب الله" مسيطر على لبنان لكنّه "حزب مأزوم وعاجز عن توظيف فائض قوته لوقف التدهور المعيشي والشلل السياسي"، ويسيطر على بلد يتجه إلى المزيد من الانحلال. هذا الحزب أصبح نقمة، بل تحوّل "قيمة سلبية مطلقة على لبنان".

وسمعت من وزير سابق أن "حزب الله" يحكم لبنان بيد من حديد وبقفاز من حرير نيابة عن إيران، يوجه صواريخة إلى الخارج ومسدساته مصوبة للداخل واغتال 19 قيادياً ومثقفاً وسياسياً حتى الآن. زعيم حزب إيران هو الحاكم الفعلي ويملك قرار الحرب والسلم، وأصبح في قائمة أقوى زعماء الشرق الأوسط. فمندوبه يحكم سوريا أكثر من الرئيس السوري. وسفيره في العراق أهم من الرئيس العراقي. أما معاونه في اليمن فهو السيد في صنعاء. أكثر من ذلك إيران تعتبر حزبها في لبنان بنفس أهمية برنامجها الصاروخي، واستثمرت فيه أكثر مما استثمرت في برنامجها النووي، وإن تخلت عن برنامجها الصاروخي والنووي، فلن تتراجع عن دعم حزب إيران في لبنان.

لكن للباحثة اللبنانية رأياً آخر، إذ تقول: إن كان حزب الله سيئاً، فتيار الرئيس عون أسوأ السيئين في المشهد السياسي اللبناني. وتضيف: رغم ما يملكه "حزب الله" من قوة وسيطرة وسطوة، إلا أنه يشعر بأنه مكبل، ولا يود أن يتحمل مسؤولية تدهور الوضع المعيشي، الذي أخذ يتحول عبئاً سياسياً ثقيلاً، بخاصة في مناطقه وبين أنصاره.

تغوّل حزب إيران فجٌ ومخيف بخاصة للقادم من الخارج، وبالأخص للقادم من دول الخليج العربي. الصحافية الأجنبية كانت تتحدث بحذر وبصوت منخفص كلما جاء ذكر هذا الحزب، معللة ذلك بأنها وبقية زملائها العاملين في لبنان، مراقبون ومشتبه بهم كجواسيس في نظر هذا الحزب.

حزب إيران في لبنان كارثة على لبنان وعاصمته بيروت التي أصبحت مدينة طاردة، غير آمنة وغير مطمئنة. اختنقت بيروت برماد الانفجار، وتغطت بعباءة حزب الظلام. فقدت مدينة الأنوار نورها، وفقدت مدينة الجمال جمالها، وفقدت مدينة الحب محبيها، وفقدت المدينة الملونة ألوانها. لم تعد بيروت عاصمة الحداثة والثقافة والموسيقى والفن والعروبة. بيروت مدينة بلا روح، تغطي رأسها عمامة سوداء.

لم أجد أحداً ممن تحدثت إليهم متفائلاً بمستقبل لبنان. لم اسمع مَن يبشر بالنور في نهاية النفق. أكد لي الخبير الاقتصادي أن ليل لبنان سيطول. فالسقوط اللبناني مروع ولا قاع له. الإعلامية المتألقة قالت بحزن موجع: لبنان يتجه نحو المزيد من الإفلاس والفساد والجوع والجهل والعنف، ونصف الشباب اللبناني "بدو يفلّ". لكن سيدة الأعمال التي تملك أحدث وأجمل منتجع جبلي، قررت تحدي جحيم لبنان مؤكدة: "باقون هنا ما بقي الزيتون".

لم تكن وحدها في صمودها المستحيل. فالمبدع اللبناني قرر مقاومة الانهيار والاستمرار في نشاطه الإبداعي اليومي في مرسمه ينتج أجمل اللوحات. والأديب والناقد المتشائل يقول إن المشهد السياسي مغم، لكنّ المشهد الثقافي منتعش ومزدهر، فبيروت ما زالت تكتب وتطبع ودور النشر فيها تعيش عصرها الذهبي معتمدة على سوق الكتاب الخليجي المنتعش.

رسالة لبنان لدول الخليج العربي أوجزها الزميل الاكاديمي قائلاً: "لا تقسوا على لبنان. لا تديروا ظهركم له. لا تعاقِبوا الشعب اللبناني المقهور. لا تستمعوا لأصوات نكرة لا تمثل لبنان. حزب ايران في لبنان والتيار الوطني لا يمثلان لبنان العروبة. والعقوبات تقوي حزب إيران لا تضعفه".

أما رسالة الخليج العربي للبنان فهي: لا أحد احتضن لبنان ووقف معه في اليسر والعسر أكثر من دول الخليج العربي. لكنّ لبنان الذي يحكمه حزب إيران هو الذي أدار ظهره للخليج وأسقط العرب والعروبة من حساباته، متى يدرك لبنان العروبة أن رهانه على إيران خاسر، وأن الطريق إلى طهران معبّد بالأشواك ونهايته الجحيم.

النهار العربي

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com