إجماع فلسطيني على إدانة الهروب من الانتخابات
إجماع فلسطيني على إدانة الهروب من الانتخاباتإجماع فلسطيني على إدانة الهروب من الانتخابات

إجماع فلسطيني على إدانة الهروب من الانتخابات

عدلي صادق

في مواجهة الرفض الشعبي الشامل لإلغاء الانتخابات في أراضي الحكم الذاتي المحدود؛ انبرى المعنيون بمصادرة الإرادة الشعبية للدفاع عن خيار وقرار رئيس السلطة. لكن قدرتهم على المحاججة استحالت عبثية وشديدة البؤس في مواجهة غضب النخب الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني، وجميع الفصائل وقوائمها ومنتسبيها، والأوروبيين والروس وغيرهم. فكل هؤلاء التقوا جميعا على رفض الهروب من الانتخابات واستنكار الإعلان عن تأجيلها إلى أجل غير معلوم، وطالبوا بالتراجع، والإعلان عن مواعيد قريبة جديدة. فلم تكن هناك أي قراءة لقرار عباس سوى أنه استشعر الخطر على نفسه وعلى حاشيته. فقد كانت هناك العديد من الإشارات الدالة على الذعر من احتمالات حصول قائمة “المستقبل” التابعة للتيار الإصلاحي في حركة فتح، وكذلك قائمة “الحرية” التي شكلها القدوة والبرغوثي؛ على نتائج وازنة في المجلس التشريعي، وعندئذٍ سيكون الذين حاول رئيس السلطة إخراجهم من النافذة؛ قد عادوا إلى مؤسسة التشريع والرقابة من أوسع الأبواب.

غير أن المكلفين بالدفاع عن موقف الرئيس عباس، وهم من حلقته الضيقة؛ أظهروا ضآلة في القدرة على تخليق الذرائع، وراوحوا في مربع الحديث العاطفي عن القدس التي لم تشهد في السنوات الماضية أي محاولة من السلطة لتعزيز صمود أهلها أو تخفيف الضغوط عنهم. وتحاشى هؤلاء الإشارة إلى الرأي الذي أعلنته لجنة الانتخابات الفلسطينية المركزية، الذي أكدت فيه على أن تصويت الغالبية العظمى من المقدسيين متاح، ويمكن للقلة التي تحت السيطرة الإسرائيلية، أن تمارس حقها الانتخابي بتدابير بسيطة وعديدة، ستكون على الرغم من سهولتها، سابقة وتحديا يكسر الفيتو الإسرائيلي على الانتخابات في القدس، بدل منطق انتظار الموافقة، وتأجيل الانتخابات، إلى حين حصول السلطة على الموافقة الإسرائيلية.

الشريحة الصغيرة التي تدافع عن هروب عباس من الانتخابات تتشكل من الحاشية، ولوحظ أن أعلاهم صوتا هم الذين خاب أملهم في أن يُدرجوا في قائمة فتح التي شكلها عباس، إما باعتبارهم من أدواته خلال السنوات العشر الماضية، أو لأن عباس يضمن طواعيتهم دون إدراجهم في قائمة. وعندما ينفي هؤلاء أن إلغاء الانتخابات كان بسبب استشعار الخسارة المحققة؛ يزعمون بأن قائمة عباس كانت ستحقق فوزا كاسحا، ويستشهدون بالنسب مدفوعة الأجر، مراكز استطلاعات رأي فلسطينية، لكي تساعد على الترويج لقائمة عباس بتعلية شأنها، علما وأن هذه المراكز عرضت بضاعتها قبل أن تظهر أسماء المُدرجين في القوائم، وتلك أضافت لخلافات فتح الداخلية خلافا جديدا وعميقا!

ومن المفارقات أن حركة حماس، التي أدركت مبكرا أن رئيس السلطة سوف ينقلب على العملية الانتخابية، وأنه سيدعوها إلى المحاصصة في حكومة أمر واقع؛ كانت سبّاقة إلى رفض إلغاء الانتخابات. فقد خرج إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة عبر شاشة “قناة الأقصى” لكي يُعدد النقاط التي جرى التوافق الفصائلي عليها في القاهرة، وأخلّ عباس بها وأدار ظهره. وتعقيبا على ما طرحه عباس في خطابه مساء يوم الخميس 27 مايو، كشرط لكي يأخذ حماس معه إلى محاصصة؛ وهو أن توافق الحركة على الشروط الدولية للعملية السلمية، بمعنى أن تلتزم حل الدولتين، قال هنية مذكرا إن حركته وافقت على وثيقة الأسرى، ما يعني ضمنا تلبية الشرط الأساس وهو قبول حل الدولتين. وقد تعمّد هنية القول بأن حماس وافقت على ما جاء في الوثيقة “مرفوعة الرأس ودون أن تخجل من أحد”. أي أن هذا الشرط ملبى وليس في حاجة إلى اشتراط رغم رفض حماس للمحاصصة.

واللافت أن رئيس السلطة، كلما خذلته أفكاره وأوقعه اللسان في الزلل، كان في الوقت نفسه يخدم حماس دون أن يدري، ويفتح على نفسه أبوابا لا يستطيع إغلاقها. فعندما اشترط على حزب فلسطيني كحماس، أن يرضى بشروط الرباعية؛ سُمع من يردون عليه في الشارع الفلسطيني: لماذا لم تشترط أو حتى تطلب من إسرائيل، أن تتخفف ـ أمام الرباعية الدولية ـ من الأحزاب التي لا تجاهر برفض أي شكل من التسوية وحسب؛ وإنما تتأبّط فوق ذلك خطابا يدعو إلى طرد الشعب الفلسطيني من أرضه، وتقف بالمرصاد لمن يقترب من فكرة الجلوس على مائدة المفاوضات؟

وبالفعل فإن إسرائيل دأبت منذ سنوات على تشكيل حكومتها من معارضي عملية التسوية وتعطيهم حقائب وزارية سيادية، حتى باتت حكومتها مؤخرا متناغمة تماما مع المستوطنين في الضفة. فلماذا يقتصر شرط استرضاء اللجنة الرباعية على الجانب الفلسطيني؟ ذلك علما بأن من يتحاشون تلبية شروط الرباعية، على الجانب الفلسطيني، لا يشكلون الحكومة ولا يؤثرون فيها. وفي الحقيقة، تجاهل عباس، وتجاهل هنية بدوره، الإفصاح عن كون العملية الانتخابية قد انطلقت أصلا بعد تفاهمات غير معلنة في القاهرة، أكدت على ما يشترطه عباس على حماس، لكن الرجل يعاود الاشتراط في سياق الحجج المرسلة لتبرير الهروب من الانتخابات!

كذلك كان الأجدر بحماس، التي لم تستطع تمرير صيغة تزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية، وقبلت بالتتابع، نزولا على إصرار عباس؛ أن تطلب استقالة الرئيس على أن تظل هذه الاستقالة مؤجلة التنفيذ إلى ما بعد ظهور جميع النتائج، شرط أن يتوقف عباس عن إصدار قرارات بمراسيم غير دستورية، يمكن بإحداها أن ينقلب على نتائج العملية الانتخابية وعلى القوائم، وعلى لجنة الانتخابات المركزية نفسها.

كان أداء الحاشية التي تدافع عن قراره مثيرا للسخرية في محاولته استثارة الفلسطينيين ضد تيار الإصلاح الديمقراطي. فعلى الرغم من تكرار تنبيه الحاشية بضرورة الإقلاع عن اللعب بمصطلح “المال السياسي” في غير محله، فإن الحاشية لا تعرف المعنى الحقيقي لهذا المصطلح، وكل ما تريده هو الاستمرار في محاولة تأثيم المساعدات التي تقدمها دولة الإمارات للمجتمع الفلسطيني من خلال تيار الإصلاح.

غير أن الفلسطينيين على قناعة بأنهم لم يكونوا في أي يوم، قادرين على الاستغناء عن مساعدات الأشقاء، وأن السلطة الفلسطينية نفسها لم تكن يوما قادرة على الاستغناء عن المساعدات حتى وإن جاءت من أطراف غير صديقة فعليا، وذات اشتراطات غليظة كالولايات المتحدة. فإذا كانت هذه السلطة تتلقى سنويا 800 مليون دولار مشروطة أمنيا وسياسيا (أوقفها الرئيس ترامب واستنكر عباس وقفها) فعلى أي المساعدات تنطبق صفة المال السياسي، عليها أم على المساعدة الإماراتية التي لا تشترط شيئا، ولا حتى تأييد تيار الإصلاح لاتفاق التطبيع مع إسرائيل؟ ثم كيف يحق لمن يتلقى مالا مشروطا بالأمن مع السياسة، تعيير وتأثيم المال المخصص لمساعدات اجتماعية ليس لمن يقدمونها شروط؟ وما هو الحكم على المال الذي يتوسّله عباس من قطر، كلما سافر إليها؟

الطريف أن مثل هذه الأصوات التي تتقصّد الإمارات دون غيرها من العديد من الدول التي أسست علاقات مع إسرائيل؛ لا تستطيع الاستدلال على ملـمح واحد، يؤسس لمظنة المال السياسي المشروط، لأن تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح لم يحافظ على برنامج منظمة التحرير ومخرجات مؤتمراتها أيام عرفات وحسب بل زاد عليه تبعا لازدياد التعنّت الإسرائيلي!

العرب

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com