بين الشقيري والقصبي ومن القاهرة لكابول
بين الشقيري والقصبي ومن القاهرة لكابولبين الشقيري والقصبي ومن القاهرة لكابول

بين الشقيري والقصبي ومن القاهرة لكابول

تاج الدين عبد الحق

رغم الجائحة، وما تنشره من مظاهر ومنغصات، فإن ليالي رمضان هذا العام بدأت تفلت -فيما يبدو- من شبح الموت الذي يعيق إيقاع الحياة اليومية، من خلال هذا الكم الكبير من البرامج والمسلسلات التي عوضت عن الليالي والتجمعات الرمضانية التقليدية.

ومع أنه ما زال من المبكر تقديم تقييم منصف، وموضوعي لمستوى ونوعية البرامج التي تتسابق الشاشات العربية المفتوحة، والقنوات المشفرة، أو المنصات المدفوعه، في بثها، فإن مكتوب بعض هذه البرامج يُقرأ من عنوانه، الذي هو في الغالب عنوان يتعلق بمضمون الحلقات الأولى من كل برنامج أو مسلسل في السباق الرمضاني .

في رمضان هذا العام المزدحم ببرامج ومسلسلات تلفزيونية من كل نوع، يلفت النظر برنامج السعودي أحمد الشقيري (سين سؤال ) الذي يناقش قضايا جادة جدا، بأسلوب شيق، وإيقاع سريع، يحترم وقت المشاهد وذكاءه، من خلال عرض تقارير منوعة،  عن ظواهر ومبادرات تترك أثرا محفزا، أو تفتح العيون على فرص وإمكانيات لم يكن المشاهد على علم بها، أو غير مدرك لأبعادها وأثرها .

ورغم الدور المحوري الذي يلعبه الشقيري في البرنامج، إلا انه لا يسوق نجوميته، ولا مهارات الكلام على طريقة مقدمي برامج التوك شو، بقدر ما يسوق المضامين التي يحملها البرنامج، وأسلوب العرض الذي يجعل المشاهد مشدودا للموضوع حتى لو لم يكن معنيا به، كاهتمام مهني، أو كاختصاص وظيفي.

 في العمق، البرنامج ليس برنامج الرجل الواحد، ولا هو بالموضوع المكرر الذي يراوح بين نقد مغرض، ومدح ممجوج، فخلفه يقف فريق محترف يختار الموضوعات ويخدمها بحرفية عالية، على صعيد البحث، ومن حيث مستوى الإخراج والتصوير .

ناصر القصبي ضيف رمضان الدائم ، الذي حفر منذ سنوات طويلة اسمه في عالم الكوميديا العربية من خلال سلسلة البرامج الرمضانية التي قدمها على مدى سنوات،  هو فارس آخر من فرسان الموسم الرمضاني، لكن المتابع له هذا العام  يشعر أن الموضوعات التي تناولها برنامجه الجديد (حظر تجول ) تمثل عبئا على نجومية الرجل، إذ بات عليه في بعض الأحيان أن يعمل (من الفسيخ شربات) كما يقول المثل المصري الدارج ويسد ثغرات النص، ببعض الأداء التمثيلي المفتعل، وهو ما يترك انطباعا بأن الفكرة مسطحة، والمعالجة الفنية غير ناضجة.

ما يغفر للقصبي، أنه يحيط نفسه في كل حلقة بمجموعة كبيرة من النجوم  الجدد، أو مَن يطلق عليهم لقب نجوم الصف الثاني، بل إنه عمل بروح الإيثار، كسنيد لهم أو بطل ثان في العمل.  وهو ما يبشر بجيل جديد من الفنانين الواعدين الذين قد يحتلون خلال سنوات، الصفوف الأولى في المشهد الفني الخليجي.

على صعيد المسلسلات، فإن من الصعب الإحاطة بها ومتابعتها في هذه العجالة، لكن لفت نظري هذا العام عملان: الأول ( القاهرة: كابول ) الذي جذبني عنوانه بسبب طبيعة موضوعه وعلاقتي المهنية به. فضلا عن أن العنوان لا يتطلب من المشاهد أن يتابع كل الحلقات ليعرف المضمون أو مسار الأحداث، ليصبح توقع ما يأخذه هذا المسار من تطورات ممكنا، بمجرد التعرف على الأدوار الرئيسة وهو ما يتضح في العادة خلال  الحلقات الأولى من المسلسل .

ومع التقدير للجهد المبذول في إخراج العمل وتصويرة، ومع التقدير لنجومية أبطاله، إلا أن المشاهد سيصدم  بسذاجة الطريقة التي يعالج بها المسلسل قضية الإرهاب، وبالكيفية التي يشرح بها أسلوب الجماعات المتطرفة في توظيف الدين لتجنيد الشباب .

وبانتظار أن تشهد الحلقات الباقية شكلا آخر من أشكال المعالجة، فإن ما تم عرضه من حلقات أظهر أن الأصوات التي تتصدى للظاهرة سواء على المستوى الفكري والأمني، ليست بمستوى مخاطر التطرف، إذ لم يخدم الحوار بين أبطال العمل الفكرة، فظل المسلسل عاجزا عن تقديم إجابات مقنعة للشباب المحبط الذي تحاول قوى الإرهاب الإيقاع به وتجنيده، واستغلال حالة اليأس التي يعيشها، لجره لمستنقع التطرف.

أما العمل الثاني فهو( لعبة نيوتن ) الذي لفتني إليه فرادة موضوعه نسبيا، وقلة الأمثلة عليه في الأعمال التلفزيونية، إذ يتعرّض المسلسل للصعوبات التي يتعرض لها الباحثون عن فرصة حياة جديدة من خلال إرسال زوجاتهم إلى الولايات المتحدة أو كندا أو استراليا للولادة هناك، طمعًا في الحصول على جواز سفر جديد يحقق لهم حلم الانعتاق من الأوضاع الصعبة التي تعيشها بعض الدول العربية. ولم يكن موضوع الفيلم هو عنصر الجذب الوحيد . فقد نجح المخرج في اختيار عناصر وممثلين جدد، وبمواصفات غير تقليدية من تلك التي اعتدنا عليها في الأعمال الرمضانية، وكانوا قادرين على أن يجسدوا بعفوية، الأدوار التي يلعبونها بالمسلسل .

في العملين هناك خروج عن الإطار التقليدي للمسلسلات الرمضانية خاصة من ناحية الموضوع، وهو خروج قد يعيد الاحترام لقيمة النص التي كادت تغيب في زحمة استسهال الإنتاج، وسلق الأعمال بسرعة للحصول على حصة من مائدة رمضان التلفزيونية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com