مينابوليس الأميركية..العنصرية والفوضى
مينابوليس الأميركية..العنصرية والفوضىمينابوليس الأميركية..العنصرية والفوضى

مينابوليس الأميركية..العنصرية والفوضى

عبدالله بن بجاد العتيبي

مقطع الفيديو الذي صوره أحد المارة لشرطي أميركي يقتل مواطناً أميركياً أسود البشرة أثار ضجةً كبرى داخل أميركا وحول العالم وأصبح بين عشيةٍ وضحاها يجد مكاناً واسعاً في أولويات وسائل الإعلام الأميركية والدولية، وهو اهتمام مستحق.
إنسانياً، العنصرية أمرٌ بشعٌ جداً ومن لا يعرفها يكاد ألا يصدق ما تراه عيناه، كيف يمكن لإنسان أن يقتل إنساناً لمجرد اختلاف لون بشرته! والذي يزيد الأمر سوءاً هو أن القاتل شرطيٌ يفترض به حماية الناس لا قتلهم وإزهاق أرواحهم وخنقهم بشكل عنيفٍ وبلا رحمة.
على المستوى الإنساني الحدث واضحٌ وأبعاده بينةٌ ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح، هل هذا تطورٌ اجتماعيٌ بريءٌ في وجه حادثةٍ بشعةٍ وصادمةٍ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ دون شكٍ أن البشاعة تدعو لردٍ فعلٍ مثل ما جرى ويجري في مينابوليس المدينة الأميركية التي حدثت فيها الحادثة خصوصاً عند استحضار العنصرية الأميركية ضد السود التي تعود لقرونٍ سابقةٍ وكانت ولم تزل محل استحضارٍ ودراسة وتأثيرٍ في الواقع، ولم تزل سبل مكافحتها قائمةٌ ولم تنته ولم تصبح من التاريخ بعد.
ما زالت الأحداث تتطور على شكل ردّات فعلٍ عنيفةٍ لا على مظاهراتٍ سلميةٍ فحسب، فالنهب والسلب ونشر الحرائق وتخريب الممتلكات وترويع الآمنين وتهديد السلم الاجتماعي ليست ردة فعلٍ طبيعيةٍ على حادث عنصريٍ مروّع، بل ذلك يؤدي إلى العكس تماماً ويدفع باتجاه مزيد من العنصرية وينشر الفوضى التي هي ألدّ أعداء المجتمعات والتي تهدد حياة الناس، والموت بالفوضى ليس أقل سوءا من الموت بالعنصرية.
هل دخل التسيس على خط الحادثة ومضاعفاتها؟ في الظاهر أن الجواب نعم، خارجياً وداخلياً، من تعيير الصين لأميركا بالحادثة إلى انقلاب الديموقراطيين وسعيهم الحثيث لاستغلال القصة سياسياً ضد الرئيس ترامب قبل أشهرٍ معدودةٍ من الانتخابات الأميركية المرتقبة فالسياسة وصراعاتها لا تترك شيئاً دون أن تستغله ولو ببشاعة إن اقتضى الأمر وبخاصة أن أميركا تمرّ بواحدةٍ من أسوأ فتراتها صراعاً بين الحزبين السياسيين الأكبر في البلاد، «الديموقراطيين» والجمهوريين.
الفوضى على كل الأحوال شرٌ محضٌ، ونتائجها أسوأ من كل ما يدفع إليها من عنصرية عرقية أو صراعات دينية أو اختلافات هوياتية أو غيرها، لأن الفوضى هي مظلة يتحرك تحتها كل سوء في البشر، ولا أسوأ من الفوضى إلا استقرار الفوضى وفتكها بالدول والمجتمعات.
من حق الناس أن ترفض العنصرية البشعة بكل قوةٍ وبكل عملٍ سلميٍ من مظاهراتٍ إلى بناء تكتلاتٍ سياسيةٍ جديدةٍ أو تجمعاتٍ مدنيةٍ رافضةٍ وبكل وسائل التعبير السلمي دون قيدٍ أو شرطٍ، وهذا متفقٌ عليه فيما يبدو، ولكن هل يحق لغاضبٍ أو مظلومٍ أن يخلق الفوضى، أن يسرق وينهب ويدمر ويخرب ويقتل وينشر الرعب في المجتمع؟ هذا ما لا يقول به عاقل، فالجريمة لا تحارب بالجريمة بل بالعدل.
موقف الرئيس ترامب يبدو مبرراً تماماً في رفض الفوضى التخريبية والتمسك بفرض الأمن على الجميع، وهو موقف أي مسؤولٍ في سدة الحكم داخل أميركا أو خارجها، ولولا صراع الانتخابات لكان السياسيون صفاً واحداً ضد ما تطورت له الأوضاع في مينابوليس.
أخيراً، فيبدو الأوباميون الجدد داخل الحزب «الديمقراطي» أقلّ حظاً في الانتخابات القادمة من «الجمهوريين»، وهم يعبرون بتصرفاتٍ متشنجةٍ وغير متوازنة ضد الرئيس ترامب، وهم يسعون لقلب كل شيء ضده، من كورونا إلى العنصرية إلى غيرها، لا يريدون لأي مشكلةٍ أن تهدأ أو تحل، لعل وعسى أن يعززوا حظوظهم المتدنية حتى الآن.

الاتحاد

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com