تصدع التحالف بين حزب الله والتيار الحر في لبنان
تصدع التحالف بين حزب الله والتيار الحر في لبنانتصدع التحالف بين حزب الله والتيار الحر في لبنان

تصدع التحالف بين حزب الله والتيار الحر في لبنان

عدلي صادق

مُنذ اليوم الأول من إعلان التحالف بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” الذي أسسه ميشال عون؛ كان اللبنانيون يدركون أن الطرفين، وبحكم طبائع الأمور، إن رقدا على سرير واحد، فإن كلاً منهما ستكون له أحلامه المختلفة!

لقد اتضح جلياً، في الآونة الأخيرة، أن رحلة الإياب قد بدأت، وأن عناصر الخلاف ذاهبة في اتجاه التعارض التام، بعد أن تغيرت الوقائع على الأرض وفي السياسات الإقليمية والدولية، ووصل “الحزب” و”التيار” إلى المرحلة التي نشأت فيها إشكالات وأسئلة البعد الاجتماعي للسياسة داخلياً، ولبُعدها الدولي وسط قوى تتصارع على النفوذ في المنطقة.

في السادس من فبراير 2006، عندما وقّع الطرفان على ورقة التفاهم بينهما، كانت البيئة السياسية الإقليمية والدولية، أقل تعقيداً ويمكن أن تساعد “حزب الله” في العثور على كتلة مسيحية داخلية، تؤمن له دفاعاً رسمياً لبنانياً، عن سلاحه في المحافل العربية الدولية، وأن تمهد الطريق لأن يحقق ميشال عون طموحه القديم في الوصول إلى قصر بعبدا رئيساً للجمهورية.

كانت المقايضة، في أولها، تتسم بهذه البساطة، لكن المسائل اختلفت اليوم، بعد أن نشأت عناصر كثيرة وثقيلة: الحراك الشعبي ضد الفساد، وفيه خروج قطاع كبير من المواطنين من كل الطوائف، على مرجعياتهم التقليدية، والانهيار الاقتصادي، وعجز الدولة عن تلبية شروط الحصول على مساعدات دولية وغير ذلك من العناصر.

وبخلاف ذلك وبسببه، نشأت أيضاً عقبات كأداء، أمام طموحات كُلٍ من “التيار” و”الحزب”. الأول، يسعى إلى توريث رئاسة الجمهورية، لصهر ميشال عون الذي ورث مسبقاً رئاسة ذلك “التيار” وبات هناك بعض الشروط السياسية الأخرى لتحقيق الأمنية الرئاسية، وهي على الضد تماماً من منهجية “الحزب” ومن أمثلتها شرط النطق الفصيح المعبر عن تقبل إسرائيل وإظهار الحرص على أمنها وبقائها قوية، وهذا شرط بدأ جبران باسيل نفسه في تلبيته.

أما “حزب الله” فقد سمع من ممثلي الطرف الآخر، عبارات التبرم من السلاح، وقد عجلت بهذه العبارات أطروحة التصدي للفساد وللعجز عن إطلاق التنمية. فهذا النائب عن “التيار الحر” زياد أسود، يقول دون أن يرف له جفن، ما يقوله معسكر سعد الحريري، وإن كانت دوافع هذا الأخير مختلفة، وتتعلق بمسألة التوازن الطائفي في توزيع مواقع الحكم والنفوذ: “إن السلاح هو سبب الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، ولا يمكن لأحد أن يحمل البارودة وشعبه جائع”.

ويضيف زياد أسود قائلاً ومقللاً من قدرة “حزب الله” على الصمود بمفرده، ما معناه إن هذا الحزب لن يستطيع الاستمرار بغير تضامن وطني، حتى ولو تحصن في ضاحية بيروت الجنوبية، في عمق مئة طابق تحت الأرض، وقد تمنى النائب المسيحي على “أهل المقاومة” أن يقتنعوا بأن المقاومة والفساد لا يستويان.

الجانب المسيحي الذي يمثله “التيار الحر” في التحالف، لا يُخفي حقيقة تأثره بالموقف الأميركي، فكلما طرح فكرة، يردفها بالإشارة إلى أن “هذا هو ما تقوله الولايات المتحدة”. بالتالي فإن مثل هذه الملاحظة، تُعيدنا إلى بعض وقائع البداية، التي تغاضى عنها “حزب الله” في تسويته مع ميشال عون في فبراير 2006.

من أجل استقطاب عون وتياره الذي ترعرع بشفاعة موقفه الصارم من النظام السوري، تناسى الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله أن ميشال عون هو الذي كان يقف وراء إصدار الكونغرس الأميركي مشروع “محاسبة سوريا وسيادة لبنان” في العام 2003 الذي تقدم به زعيم الأغلبية الجمهورية في المجلس “ريتشارد أرمي”.

وأكد عون نفسه على ذلك في حينه قائلاً إنه سعى ورفاقه اللبنانيون المقيمون في الولايات المتحدة، منذ يونيو 2001 إلى إقناع الإدارة الأميركية بمشروع سيادة لبنان وجلاء القوات السورية عنه، وأن الكونغرس استضاف فريق عون، لعدة أشهر في قاعة صغيرة، ملحقة في مبناه، لكي يستمع إلى كل ما لدى اللبنانيين من قصص عن تجاوزات النظام السوري ضد لبنان واستقلاله.

وكان في حوزة عون ملف سميك عن التجاوزات وحكاية طرده من قصر بعبدا ولجوئه إلى السفارة الفرنسية لكي ينجو. وعندما سعى إلى الحصول على القانون الأميركي، استأنس بالسابقة العربية عندما غزا صدام حسين الكويت، وكانت الاستعانة بالأميركيين، على الرغم من أن عون كان في ذلك الوقت حليف صدام قبل هجوم القوات السورية عليه (13 أكتوبر 1990).

لقد تجاوز “حزب الله” عن تلك الواقعة، لكي يؤمن معادلته الداخلية، مدركاً -على الأرجح- أن خلفيات السلوك لدى عون ومواليه، تناقض هواه وتوجهاته وكل مقاصده. وها هو جبران باسيل، صهر ميشال عون، الذي تكفل “حزب الله” بتعويمه سياسياً، يدعو -من بين ما يدعو إليه- إلى تلبية المطالب الأميركية المتعلقة بإسرائيل، بل إنه يلتقي السفيرة الأميركية لدى لبنان، دورثي شيه، ثم يدعو إلى تلبية مطلب جارح لــ”جمهور المقاومة” وهو إعادة اللبنانيين الهاربين الذين تعاونوا مع إسرائيل أثناء احتلال الجنوب، وشكلوا جيشاً رديفاً لها، وجمعهم مع أسرهم من كل البلدان التي انتقلوا اليها، لكي يعودوا مواطنين.

بعد اللقاء الأخير، مع السفيرة الأميركية، بدأت الانتقادات الصريحة لـممارسات “حزب الله” على لسان شخصيات بارزة من “التيار”، لم تتردد في محاولات تسويق فكرة النظام الفيدرالي في لبنان، ما يعني وضع نهاية لمشروع الوطن والمجتمع المتنوع والمتجانس.

على الرغم من ذلك كله، ومن بين أعراضه السجال عبر منصات التواصل الاجتماعي بين موالي الفريقين، لجأت بعض الشخصيات منهما، إلى الطريقة اللبنانية التقليدية، في التصريحات السياسية التوفيقية شكلاً، بما عرف عنها من التذاكي والدقة في اختيار الألفاظ، لتنفي وجود التصدع، ولتؤكد على استمرار التوافق على القضايا الرئيسة، دون الكف عن النقد المسموع، باعتراضات على بعض مظاهر سلوك “حزب الله” وتمس جوهر وظيفة الدولة، كتلك المتعلقة بـ”ملف المعابر” التي يسيطر عليها الحزب ويشغلها -كما يقولون- للتهريب، والسيطرة على طريق المطار واستخدامها للتهريب من خلال عمليات النقل الجوي، والتعبير عن هذه الاعتراضات باستخدام مصطلح “قوى الأمر الواقع”.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com