ما مدى خطورة الخلافات الأمريكية الصينية ؟
ما مدى خطورة الخلافات الأمريكية الصينية ؟ما مدى خطورة الخلافات الأمريكية الصينية ؟

ما مدى خطورة الخلافات الأمريكية الصينية ؟







تاج الدين عبد الحق


يبدو أن جائحة الكورنا وما خلفته من تداعيات وخسائر، ليست إلا رأس جبل جليد الأزمات التي يعيشها العالم حاليا، والتي تهدد أمنه واستقراره، أو لعلها الذريعة، التي فجرت ما كان مسكوتا عنه، أو مؤجلا.


اليوم نسمع بوضوح قرعَ طبولِ الحربِ وكأننا نعيش مرحلة جديدة من مراحل الحرب الباردة التي لم نبرأ منها تماما، والتي لا نعرف متى تتحول إلى حرب ساخنة جديدة، وكيف يمكن أن يشتعل فتيلها في ظل هذا الكم الهائل من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل التي نعرف بعضها، ونجهل بعضها الآخر .


المواجهة الحالية بين الولايات المتحدة والصين، تحولت خلال أشهر قليلة إلى هاجس حقيقي مقلق لكثير من الدوائر السياسية حول العالم. فالصراع بين البلدين ليس مزحة، وهو لعب بنار، قد تحرق الأخضر واليابس، وقد تصبح في غفلة ممن لا يستطيعون حتى مجرد التفكير بمثل هذا الاحتمال، كابوسا يفاقم من أزمات البشر وآلامهم.


كنا نعتقد إلى حين أن الخلافات بين واشنطن وبكين حول الكورونا، لا يمكن أنْ تضع الملفات المؤجلة أو المنسية بين البلدين على الطاولة بهذه الصورة الفجة وهذا الشكل المتوتر. لكننا وجدنا -فجأة - أن الولايات المتحدة تتحدث بوضوح عن عقوبات قوية محتملة على الصين بسبب قرار بكين تطبيق قوانين لها في مستعمرة هونج كونج السابقة والتي عادت للسيادة الصينية بشروط كفِلت للجزيرة، وضعا خاصا يختلف عن الأوضاع في البر الصيني. وتشمل العقوبات التي تهدد بها الولايات المتحدة عقوبات تجارية، وتقييد سفر الصينيين للولايات المتحدة، وحصار نشاط الشركات الصينية في الخارج.


هذه العقوبات بغض النظر عن تأثيرها الفعلي على بلد كبير، و غني، وقوي كالصين، قد تستفز المشاعر الوطنية للصينيين الذين يرفضون أنْ تعاملهم الولايات المتحدة معاملة دولة تابعة، أو دولة من دول العالم الثالث. ولذلك فإنه من غير المحتمل أنْ تقبل بكين مثل هذه الإجراءات العقابية حتى لو لم تكن مؤثرة، وقد تقابلها بإجراءات من شأنها تصعيد الخلاف وتعقيده. وقد بدأت إرهاصات الرد الصيني المحتمل، بالتلويح بضم تايوان التي يعترف المجتمع الدولي بأنها جزء من التراب الوطني الصيني، لكنه وضمن اتفاق جنتلمان غير مكتوب يوفر لهذه الجزيرة الصينية، حماية تبقيها مستقلة من الناحية العملية، وتبقي على الصلات التجارية بينها وبين العالم الغربي .


إلى ذلك فإن العلاقات التجارية العميقة التي نشأت بين الولايات المتحدة والصين -ابتداء من حكم الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون وحتى ترامب- لم تشفع للحزب الشيوعي الصيني الذي قاد انفتاحا رأسماليا أين منه انفتاح التجارب الرأسمالية في الغرب!!، فوجدناه من جديد يتعرض لحملة إعلامية، كما وجدنا بروزا لافتا للخطاب الأيديولوجي الذي كان عنوانا للخلافات بين الشرق والغرب طوال الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى انفراط العقد السوفيتي في بداية التسعينيات.


والشيء المرعب -في كل ذلك - أن المواجهة الكونية الجديدة، تأتي في ظل انشغال معظم دول العالم بهمومها الخاصة سواء تلك المتصلة بما خلفه وباء الكورونا، أو التعايش مع الآثار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتفاقمة، والتي تنذر بأزمات وانهيارات لا يعلم مداها أحد حتى الآن. ولذلك فإن هناك غيابا شبه كامل للدبلوماسية الدولية والوساطات التي يمكنها تقريب وجهات النظر والوصول إلى حلول سياسية، بدلا من التصعيد الحالي الذي ينذر بعواقب وخيمة.


الخلافات الصينية-أيضا - تأتي في سنة الانتخابات الأمريكية، والرئيس ترامب لا يملك -في ظل الضغوط الداخلية والخارجية الشديدة التي نتجت عن وباء الكورونا- ترف المناورة السياسية في هذه الخلافات، أو تمرير سياسات، ومواقف تشي بالضعف على هذا الصعيد. وقد نجد في هذه المرحلة الحرجة أن المواقف السياسية بين واشنطن ومنافسيها تتباعد بسرعة، والمواقف تتعقد للدرجة التي قد لا تنتظر نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر المقبل .


وإذا ما وضعنا خلافات بكين وواشنطن، في إطار الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية المتفجرة في أكثر من ساحة إقليمية، فإننا سنكون أمام علاقات دولية بالغة التوتر، لا يمكن أن نتجاوز مخاطرها، إلا بتوافر إرادة سياسية تقبل اللقاء في منتصف الطريق، والقبول بالحلول الوسط والتسويات المتوازنة التي تضمن مصالح وحقوق الجميع، وهو أمر لا يتوافر في ظل المناخ السياسي والنفسي والاقتصادي الذي نتج عن الجائحة .




 





هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com