القضية الفلسطينية والإشكالية السيزيفية
القضية الفلسطينية والإشكالية السيزيفيةالقضية الفلسطينية والإشكالية السيزيفية

القضية الفلسطينية والإشكالية السيزيفية

إميل أمين

وكأن المشهد العالمي عامة، والشرق أوسطي خاصة، ينقصه مزيد من الشرر ليجعل من الأشهر المتبقية من هذا العام حرائق مشتعلة، ضمن مسارات ومساقات سيزيفية، يكاد المرء يخيل إليه أنه قد وصلت إلى أعلى، لتتدحرج كرة اللهب مرة جديدة إلى السفح.
ما تنتويه الحكومة الإسرائيلية عما قريب من إعلان لضمّ أراضٍ فلسطينية ومدّ السيادة الإسرائيلية على المستوطنات، الأمر الذي يعني خرقاً للاتفاقيات الموقعة وضرباً للقانون الدولي وتهديداً للأمن الإقليمي والعالمي.
يبدو أن صرخة ليفي أشكول، رئيس وزراء إسرائيل عام 1967، لم تصل إلى أسماع نتنياهو وغانتس، فقد ذكر مدير مكتبه العسكري الجنرال إسرائيل ليور أنه كان أقرب ما يكون لمن فقد صوابه، ويحادث نفسه بأعلى صوت: «ماذا يريدون؟ هل يريدون أن نعيش بالسيف وحده؟ هل يريدون لمستقبل إسرائيل أن يكون بالسيف إلى الأبد؟».
كان أشكول يقصد جنرالات الحرب الذين استولوا بالقوة على أراضٍ لا يمكن لهم أن يحافظوا عليها بالسلام، الأمر الذي أثبتت الأيام صحته تالياً، وذلك حين انسحبت إسرائيل من الأراضي المصرية بعد اتفاقية كامب ديفيد.
هل يتوجب على القيادة الإسرائيلية قراءة الأسفار الحكمية من جديد، لتعرف أن الأحلام الاستعمارية الاستيطانية لا تفيد، وأن الارتكان إلى القوة النووية في خاتمة المطاف أمر عقيم، وأن أي حلم لا تسنده قوة حقيقية، بشرية، اقتصادية، اجتماعية، كفيل بأن يتراجع من عوالم الحلم إلى عوالم الوهم، ومن عوالم الوهم إلى عوالم الجنون، وهو في النهاية مؤدٍ إلى تدمير أصحابه مهما تمادوا؟
تبدو توجهات نتنياهو وغانتس أقرب ما تكون هذه الأيام إلى الرغبة في تدمير النفس عبر الولوج من أسفل باب الجنون الضيق المترع بالضيقات التي تقود إلى الدرك الأسفل، ذاك الذي سيعيدها من جديد إلى أزمنة غير سعيدة سابقة.
ما الذي يتوجب على القيادة الإسرائيلية أن تدركه، قبل أن تقذف بحجر سيزيف إلى قاع الهاوية من جديد؟
بداية، يمكن القول إنها تغلق الأبواب أمام أي احتمالات قائمة أو قادمة لسلام حقيقي، سلام يفتح الأبواب أمام الأجيال المعاصرة والتي تليها، ما يعني أن قصة السلام الشرق أوسطي سوف تتوارى، ومن جديد ترتفع العداوات في الصدور، ليبقى رصيد الكراهية متوارثاً من جيل إلى جيل.
هل هذا ما تريده إسرائيل لأجيالها المعاصرة، أن تعيش في وسط عربي يحمل مشاعر الحقد والضغينة، من جراء التمادي في بسط الهيمنة المنبتة الصلة بالقوانين والشرائع الإلهية والوضعية، عطفاً على القرارات الأممية التي تضرب بها عرض الحائط، ما يعني أنه بعد مئات السنين تعود مرة جديدة إلى فلسفة «الغيتو» الأوروبي، ذاك الذي عاش فيه الأجداد وآباؤهم؟
منذ عقدين تقريباً ضيّعت إسرائيل آخر وأهم مبادرة سلام حقيقية، قدّمتها المملكة العربية السعودية لها وللعالم، كان يمكنها أن تستنقذ الإسرائيليين من الأحلام والأوهام، ومن الأكلاف العالية، وتفتح أمامهم دروب التعايش الإنساني الطبيعي مع العالم العربي والإسلامي، وفي الخلفية التاريخية يعرف القاصي والداني أنه لم تكن هناك يوماً ما مشكلة مع اليهود العرب، فقد عاشوا في الدول العربية ضمن أطر وحدود المواطنة بدون تمايز أو محاصصة، ما يعني أنه لم تكن أبداً المسألة الدوغمائية عاملاً طارداً، وما جرت به المقادير بعد ذلك كان تحصيل حاصل لرؤى السطوة الإسرائيلية المسلحة التي أرادت عن عمد إفراغ الدول العربية من معينها الحضاري، بحثِّها اليهود العرب على مغادرة دول ولدوا وعاشوا فيها لأجيال طوال.
ضيّع الإسرائيليون مبادرة السلام العربية، التي أعلنها جريئة صريحة الملك (الأمير ولي العهد وقتها) عبد الله، طيّب الله ثراه. ولنا أن نتساءل؛ كيف لا تأخذ القيادة الإسرائيلية في الحسبان ردّات الفعل الشعبوية والدولية معاً على قرارها المرتقب؟
إذا كان الرهان الإسرائيلي على الولايات المتحدة، وخطة الرئيس ترمب التي أطلق عليها «صفقة القرن»، فإنها (إسرائيل) تغفل أمراً مهماً يتوجب أن يثير قلقها، فالأجيال الأميركية الجديدة يوماً تلو الآخر تتحرر من سطوة اللوبي الداعم لدولة إسرائيل، وهناك من يطالب بمعاقبة إسرائيل، بل إن مرشحاً كان يسعى في سباق الرئاسة الأميركية مثل بيرني ساندرز اليهودي الديانة، كانت مواقفه ضد حكومات إسرائيل، انطلاقاً من أن الرجل عانى هو وأسرته من الاضطهاد النازي، ولا يريد لإسرائيل أن تمضي في الطريق عينها.
وعلى الجانب الآخر، فإن المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن يرفض بدوره فكرة الضم الإسرائيلية، فيما جماعة ضغط مثل «جي ستريت» تطالب بإنقاذ إسرائيل من غلاة اليمين المتطرف ومَن لفّ لفّهم، انطلاقاً من خطرهم على إسرائيل نفسها.
لماذا لا تقيّم إسرائيل الخطر المحدق بها أوروبياً؟ وسيكون من الجنون ألا تنظر وترى عودة غير محمودة لمعاداة السامية تنتشر من جديد في ربوع أوروبا، فيما العرب يمدون أياديهم عبر سلام الشجعان منذ عقدين، ولا ردّ سوى الغيّ السادر.
القوميات والشوفينيات المضادة لليهود في أوروبا دعت الرئيس بوتين لأن ينصح يهود أوروبا بالرحيل إلى روسيا، أما حكومات الاتحاد الأوروبي فقد توجه رداً انتقامياً لإسرائيل حال قيامها بالضم، والتصريح هنا لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
على واشنطن وبروكسل والقوى التي دعمت إسرائيل طويلاً وكثيراً أن تدرك أن تلّ أبيب بهذا التصرف الأحادي تفتح أبواب التطرف والأصولية، وتتيح المجال للمزايدين على العدوات القديمة، فهل هذا ما يتطلع إليه المجتمع الدولي؟
الخلاصة... من يعش على السيف فبالسيف يموت

الشرق الأوسط

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com