حكومة الكاظمي.. وجهة نظر إماراتية
حكومة الكاظمي.. وجهة نظر إماراتيةحكومة الكاظمي.. وجهة نظر إماراتية

حكومة الكاظمي.. وجهة نظر إماراتية

محمد خلفان الصوافي

من يتابع كيفية تشكيل الحكومات العراقية منذ العام 2003 إلى يوم الأربعاء الماضي، أثناء انعقاد جلسة التصويت لحكومة مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي الجديد، يتأكد أن هناك متغيرا سياسيا جديدا بدأ يفرض نفسه بثبات على الحياة السياسية وحتى الحزبية في العراق، وأن هناك مؤشرات ودلائل تؤكد بقوة أن هناك تطورا إيجابيا، وطنيا وعربيا، يمكن ملامسته بالفعل كواقع ينبغي متابعته.

هذا المتغير الجديد، يلخص مضمونه في أن العد التنازلي للتواجد الإيراني الذي اختطف القرار السياسي العراقي قد بدأ بالفعل، بل إنه حقيقة بدأ الأغلب يؤكد عليها. فمنذ أكتوبر من العام الماضي كان هناك وعي جماهيري فرض على الواقع السياسي أهمية استعادة العراق لسيادته وقراره السياسي من التمدد الإيراني، حيث كان حتى قبل الجلسة الأخيرة لا يمكن لأي شخص أن يتقلد منصب رئيس الوزراء في العراق، بشكل أخص، دون أن يكون مقربا من النظام الإيراني أو أن يقطع على نفسه وعودا بخدمة مصالحه، وإلا سوف يواجه فشل تمرير حكومته كما حدث مع محمد علاوي وعدنان الزرفي اللذين سبقا الكاظمي.

قد يكون من المبكر الجزم بأي نتائج على فقدان إيران لمكانتها في العراق، خاصة وأن هذه الحكومة حكومة مؤقتة ومدتها عام فقط، إلا أن محاولة تسليط الضوء على ما حدث خلال جلسة التصويت على حكومة مصطفى الكاظمي في مجلس النواب العراقي (البرلمان) الأربعاء الماضي، وتحليل سياسة الشد والجذب بين السياسيين العراقيين خاصة في اللحظات الأخيرة التي جاءت على شكل “مباريات كرة القدم” التي حبست أنفاس الكثيرين ممن يهمهم استقرار العراق لمصلحة شعبه، تجعلنا نلاحظ أن هناك شيئا حدث وكان ملفتا لانتباه الكثيرين ممن يتابعون الوضع العراقي منذ عام 2003 وهو يحمل العديد من الدلالات والمؤشرات حول مستقبل العراق، وهذه الملاحظة هو أن عدد الأعضاء الذين صوتوا لصالح برنامج حكومة الكاظمي وخطة عمله ولاختياراته من الوزراء بلغ 266 نائبا من أصل 329، إذ من الطبيعي أن يكون هذا الرقم مفاجأة لمن يعرف حقيقة التغلغل الإيراني في العراق في المجتمع العراقي.

ليس من المألوف أن تسير عملية تشكيل حكومة عراقية بسلاسة وانسيابية خاصة من شخصية غير مقربة من إيران ومن أتباعها في العراق ممن اعتادوا على تقديم مصلحة إيران على العراق لأسباب عقائدية، لذا فإن عدد المصوتين للكاظمي لا بد أن يكون مؤشرا ينبغي أن يدل على معان كبيرة، وإذا كانت مسألة حصول أي حكومة على عدد من الأصوات بغض النظر عن عددها أمرا عاديا وطبيعيا في الدول التي تأخذ بنظام الانتخابات، كون أن الأحزاب تتنافس عادة من أجل خدمة وطنها والأعضاء يصوتون إما بتأييد وإما برفض لأي برنامج، فإن هذا الأمر في عراق ما بعد 2003 غير ذلك، حيث أنه يمثل مؤشرا لمدى سيطرة النظام الإيراني على هذه الدولة العربية المهمة في الأمن الوطني العراقي والقومي العربي.

لذا أن يلقى تكليف الكاظمي صدى عربيا ودوليا هو أمر يستحق الانتباه له، إذا هناك مشهد عراقي جديد يمكن أن يحدث في عودة العراق وطنا للعراقيين وركيزة أساسية في الأمن القومي العربي، وبالتالي في تضييق مساحة التدخل الإيراني في العراق ولن تكون بذلك التمدد الذي كان في السابق.

تصويت 266 عضوا في البرلمان العراقي لا بد أن يبعث على الطمأنينة لمستقبل العراق لأنه يؤشر على أن الذين كانوا يوالون إيران ويخدمون أجنداتها بدأوا ينفضحون ويخسرون مواقعهم، ولم يبق منهم سوى 60 عضوا، من الذين رفضوا التصويت لصالح الشخصية التي اتفق الجميع، من الداخل والخارج، على أنها الأنسب لعبور أزمات العراق. وقد سجلت هذه الجلسة موقفا جديدا وهو خروج بعض النواب على زعماء كتلهم الذين رفضوا التصويت أو المشاركة في حكومة الكاظمي وأبرزها: دولة القانون التي يتزعمها نوري المالكي “عراب النظام الإيراني” المعروف في العراق والذي ازدهرت خلال فترته المصلحة الإيرانية وأدت إلى صعود تنظيم داعش، والمؤسف أن يتبعه في رفض التصويت ائتلاف الوطنية برئاسة إياد علاوي الذي كان يوما يقوم عليه رهان العالم والعرب في أن يساهم في استعادة القرار العراقي وسيادته، ولكن يبدو أن مصلحة الحزب أو الأيديولوجيا تطغى أحيانا كثيرة على الوطن ووضع بصمة مشرفة للتاريخ، الذي يحفظ كل شيء.

تبقى الإشارة إلى أن الذين رفضوا التصويت يقفون اليوم منبوذين من الشارع العراقي وحتى من أتباعهم، كون البلاد في موقع يحتاج إلى وقوف الجميع معها بسبب تداخل الأزمات؛ الفراغ السياسي، والأزمة الاقتصادية، والتنافس الأميركي – الإيراني على النفوذ، وإمكانية عودة تنظيم داعش، وغيرها من الأزمات ما يعني سياسيا أنه لم يعد لديهم مستقبل سياسي وفق المعطيات الجديدة التي ظهرت مع الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بإخراج إيران وأتباعها، فهم عملوا إلى اللحظات الأخيرة بضراوة شديدة على إفشال تمرير حكومة الكاظمي من خلال اتباع سياسة “قلب الطاولة”، ولكنها انقلبت عليهم هذه المرة لأن المحددات السياسية تغيرت.

الواقع الجديد، الذي نراه كمراقبين، يدعو إلى التفاؤل ويبعث على الأمل، فالكاظمي يمتلك العديد من الصفات التي تجعله رجل المرحلة، ومنها أنه شخصية مقبولة داخليا وخارجيا ولم تسجل عليه تجاوزات سياسية أو طائفية، والأكثر من ذلك أنه شخصية ليست مفضلة لدى إيران وهو مؤشر بالغ الأهمية بلغة السياسة، إلا أنها – إيران- اضطرت إلى أن تقبل به فكل رجالها احترقت أوراقهم السياسية وباتوا عبئا على طهران نفسها وليس على العراقيين فقط، والجميع الآن، العراقيين والعرب، في انتظار ترجمة موقف 266 صوتا في إعمار العراق واستعادة مكانته الإقليمية والدولية والخروج من نفق المحاصصة إلى الدولة الوطنية.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com