واشنطن - بكين... و«منظمة الصحة العالمية»
واشنطن - بكين... و«منظمة الصحة العالمية»واشنطن - بكين... و«منظمة الصحة العالمية»

واشنطن - بكين... و«منظمة الصحة العالمية»

إميل أمين

وسط معركة «كورونا» الضارية المتوحشة، التي تشنها على الولايات المتحدة الأميركية بنوع خاص، إلى درجة أن أميركا أضحت بؤرة مؤلمة في الجسد الإنساني، انفجرت فجأة معركة ما بين واشنطن وبكين، وبينهما «منظمة الصحة العالمية»، ورئيسها تيودر غبريسوس.

بدأت المعركة باتهامات وجّهها الرئيس ترمب إلى المنظمة التي اعتبرها قد «أخطأت الحكم»، وأن رئيسها قد فشل في تحذير العالم من تفشي وباء فتّاك.

كان من البديهي أن ترفض المنظمة مثل هذا الاتهام، لا سيما أنه يحمل تلميحاً إلى علاقات تحتية وخلفية ما بين الصين وإثيوبيا التي يحمل رئيس «منظمة الصحة العالمية» جنسيتها، وقد اعتبرت أنه لا يجوز تسييس القضية.

لكن الواقع يؤكد على أن أزمة «كورونا» مسيَّسة بامتياز، سواء من جانب واشنطن أو بكين، وربما أيضاً من جهة «منظمة الصحة العالمية» عينها.

لتكن البداية من واشنطن والتساؤل: «هل دونالد ترمب بريء بالمطلق، وأنه قد تعرض للخديعة من الجانب الصيني، وحتى من قبل المنظمة العالمية؟».

قبل الجواب يتوجب علينا الإشارة إلى جزئية مهمة في هذا الإطار، وهي أننا أمام رئيس انعزالي، حتى قبل دخوله البيت الأبيض، ذلك أنه انسحب من ثماني اتفاقيات دولية كانت أميركا طرفاً أصيلاً فيها... ماذا يعني ذلك؟

يعني أن ترمب رجل لا يقيم وزناً للمؤسسات الأممية، ولهذا فإن «منظمة الصحة العالمية» قد تكون آخر ضحاياه.

ترمب في واقع الحال لا يمكن أن يكون بريئاً بالمطلق فيما آلت إليه أحوال «كورونا» في الداخل الأميركي، فقد تلقى تحذيرات مبكرة منذ بداية الأزمة، كان أهمها ما حمله إليه مستشار وزارة التجارة في البيت الأبيض، بيتر نافارو، الذي حذره في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي من أن هناك خطراً حقيقياً يستدعي إغلاق البلاد، لا سيما خطوط الانتقال الجوية والبحرية مع الصين، لكن ترمب لجأ إلى الانكار واستهان بالمشهد.

مرة أخرى في أواخر فبراير (شباط) الماضي علا صوت نافارو، في مذكرة أخرى، بان فيها الهلع جلياً، إذ أخبر ترمب بأن 100 مليون أميركي مرشحون للإصابة، و1.2 مليون أميركي عُرْضة للوفاة إذا تفشى الفيروس، عطفاً على نقص الإمكانات الطبية اللازمة لتفادي الجائحة، لكن ترمب لم يتحرك بجدية قبل منتصف مارس (آذار) الماضي.

يحاجج ترمب بأن الصين خدعته، وأن رئيس «منظمة الصحة العالمية» قد غض الطرف عن خداع الصين، وهو أمر يحتاج لتفكيك وتحقيق، لكن الحديث هنا لا يستقيم مع الدولة الإمبراطورية، ذات الأجهزة الاستخبارية التي ترصد دبيب النمل جواً، وبراً، وبحراً، وعليه، يصبح السؤال: «هل أميركا المخابراتية هشّة إلى هذا الحد؟».

منذ بضعة أيام، ومع تصاعد أزمة واشنطن و«منظمة الصحة العالمية»، خرجت علينا شبكة «إيه بي سي نيوز»، الأميركية، بقصة تشكك فيما قاله ترمب، ولو ثبتت صحتها ودقتها، حكماً سيكلف الأمر ترمب ولايته الثانية.

باختصار مفيد، تقول الشبكة الإخبارية الأميركية، نقلاً عن أربعة مصادر اطلعت على تقارير سرية، أن مسؤولي المخابرات الأميركية، حذروا، أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من وجود عدوى تنتشر في منطقة ووهان الصينية، وتغير أنماط الحياة والأعمال، وتشكل تهديداً للسكان.

حديث الشبكة الأميركية يمكن أن يكون زلزالاً يطيح بترمب، ويضرّ بالحزب الجمهوري إلى مدى بعيد، إذ يقطع بأن ترمب قد عُرِض عليه تقرير من «المركز الوطني للاستخبارات الطبية» التابع للجيش الأميركي، وقد جاءت معلومات وبيانات المادة المقدمة لترمب نتيجة تحليل اعتراضات سلكية وحاسوبية مدعومة بصور الأقمار الصناعية.

كان الهدف الرئيس من إيقاظ ترمب أولاً التنبُّه لأي مرض آسيوي المنشأ يمكنه أن يضرّ بالقوات الأميركية في آسيا، التي تعتمد في معلوماتها على «المركز الوطني للاستخبارات الطبية».

ترمب إذن ليس بريئاً بالمطلق، والصين أيضاً من جهة ثانية يمكن أن تكون مخطئة بدورها إلى حد التآمر مع «منظمة الصحة العالمية» ورئيسها، الإثيوبي الأصل، وقد لاحظ الجميع أن غبريسوس لم يطالب بإغلاق الصين بسبب تفشي الوباء إلى أن انتشر الفيروس حول العالم.

في الأسبوع الثاني من مارس الماضي وعبر موقع «medRexiv» نشر نحو 12 عالماً من جامعات بريطانية وصينية وأميركية دراسة جاء فيها أن «الصين لو لم تتأخّر في إقرار الإجراءات الكفيلة بمنع تفشي العدوى، ومن ذلك التباعد الاجتماعي، لأسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة، لكان بالإمكان خفض عدد الإصابات بنسبة قد تصل على التوالي إلى 66 في المائة و86 في المائة، أو 95 في المائة»، وفقاً لما نشره موقع «فرانس 24».

ينادي رئيس «منظمة الصحة العالمية» بألا يتم تسييس المشهد، لكن الحال أن العلاقة بين الرجل وبلده إثيوبيا، والصين، تدعو للشك؛ فالصين هي الداعم الرئيس لانتخابه، وهي المستثمر الأكبر في بلاده، لا سيما في «سد النهضة»، ناهيك بأنها ترى إثيوبيا حصان طروادة لها، عبر القارة الأفريقية، والأكثر إثارة للجدل أن الطيران الإثيوبي هو الوحيد الذي لم تتوقف رحلاته مع الصين خلال أزمة «كورونا».

مهما يكن من أمر، فإنه من الصواب في الوقت الحالي ألا تُوقِف واشنطن دعمها المالي لـ«منظمة الصحة العالمية»، فهذا وقت تضافر الجهود الأممية، لكن لاحقاً ستُسأل جميع المؤسسات عما قدمت أو قصرت، وربما تخاذلت أو تآمرت ولكل حادث حديث.

الشرق الأوسط

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com