كورونا تدفع نحو "حكومة وطنية" في إسرائيل
كورونا تدفع نحو "حكومة وطنية" في إسرائيلكورونا تدفع نحو "حكومة وطنية" في إسرائيل

كورونا تدفع نحو "حكومة وطنية" في إسرائيل

عدلي صادق

كان طرفا الانقسام الإسرائيلي أكثر ذعرا من وباء كورونا، من جمهورهما نفسه، هذا إن لم يكن الليكود وحزب أزرق أبيض قد وجدا في الفايروس مخرجا يحفظ ماء الوجه، لكل منهما. فقد تنادى الحزبان لتشكيل حكومة ائتلافية، بينما ظل الجمهور على توقعاته -وفق استطلاعات الرأي- بأن تُجرى انتخابات رابعة، وأن يستمر المأزق.

عندما سُئل الشارع عن كيفية حل المواجهة السياسية الحالية والوصول إلى حسم، قال 40 في المئة من المستطلعة آراؤهم إن إسرائيل ستخوض انتخابات رابعة، لأن طرفي الانقسام يتمسك كل منهما بطموحاته السياسية، التي يراها الكثيرون من الشعب الإسرائيلي محض صراع على السلطة، ولا علاقة لها بمبادئ أو اختلافات أيديولوجية.

في الوقت نفسه، صدرت دعوات فجائية من بنيامين نتنياهو وبيني غانتس، لتشكيل “حكومة وطنية” في ظروف مكافحة الفايروس. وانعكس من خلال مؤشرات استطلاعات الرأي، بعض حال الارتباك والعجز عن الفهم، لما يحدث للمرة الأولى في إسرائيل منذ تأسيسها، إذ لم تستطع الدولة حسم أمر تشكيل الحكومة، بعد ثلاث جولات انتخابية.

لكن تضاربت آراء الذين استُطلعت آراؤهم حول شكل وحصص الأحزاب، إذ رأى 19 في المئة منهم أن يكون التشكيل بحكومة ضيقة من الليكود ومن معه من أقصى اليمين الديني. بينما فضل آخرون، وبنسبة مماثلة، تشكيل حكومة يمين، من جناحيه الكبيرين الليكود وأزرق أبيض. أما الذين لا يريدون لحزب الليكود أن يشارك، وهؤلاء نسبتهم 9 في المئة، فإنهم يفضلون حكومة ذات أقلية برلمانية، تشمل أزرق أبيض مع طيف من الأحزاب الأخرى.

لكن عندما سُئل المستطلعة آراؤهم عن رغباتهم في شكل الحكومة إن تم التوافق عليها، قال 31 في المئة منهم إنهم يفضلون حكومة وطنية موسعة. وتعكس هذه النسبة، أولئك المستعدين لتقبل مشاركة كل الأحزاب، بما فيها القائمة المشتركة، التي تضم الأحزاب العربية وحلفاءها.

وبنسبة أقل، أي 26 في المئة، قال آخرون إنهم يفضلون حكومة يمينية ضيقة، بمعنى أن يأخذ الليكود معه، حزب إسرائيل بيتنا الذي يتزعمه أفيغدور ليبرمان. بينما أراد آخرون بنسبة 17 في المئة، حكومة ضيقة أيضا، يشكلها حزب أزرق أبيض وأحزاب يسارية ومعها القائمة المشتركة. لكن استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة “إسرائيل هيوم” الموالية لنتنياهو، فقد رشح هذا الأخير، لترؤس الحكومة، بنسبة 47 في المئة، مقابل 36 في المئة لبيني غانتس زعيم حزب أزرق أبيض.

وعلى الرغم من انعكاس حالة الانقسام على المشهد السياسي الإسرائيلي إلا أن نتنياهو وغانتس، وكلاهما متأثر بكورونا أظهرا ميلا إلى حكومة موسعة تجمع حزبيهما. حدث هذا التحول فجأة، في ظروف انتشار الفايروس. فقد بلغ عدد الإسرائيليين الذين أثبتت الاختبارات إصابتهم بالوباء، 126 شخصا، بخلاف الألوف الذين لا يزالون في الحجر الصحي، ويحتمل أن يكون هناك عدد منهم قد أصيب بالمرض الخطير.

ظل الساسة في إسرائيل، وعلى مدى أسابيع يقتربون شيئا فشيئا، من الربط بين الوباءين السياسي والمرضي. ويجعلون تعاملهم مع الأول متأثرا بتفشي الثاني في إسرائيل والعالم. بل إنهم، في الآونة الأخيرة، استشعروا ازدياد خطر وفداحة الأول، مع انتشار الثاني وتحدياته. وتركزت أنظار الفريقين على محاولات العلماء في العالم، ومن ضمنه إسرائيل؛ لإيجاد علاج أو لقاح، للإجهاز على كورونا.

في النظر إلى فايروس السياسة، عاد الساسة إلى استذكار الحكمة السرمدية، التي يقال فيها إن الصراع السياسي، موجود منذ بدء الخليقة، أو منذ آدم وحواء والأفعى، في جنة عدن، وفي تجربة النزاع الأولى بين قابيل وهابيل.

في هذا الخضم، لم يتوقف نتنياهو، رئيس حكومة تصريف الأعمال، عن إظهار الاستعداد لخوض جولة انتخابات رابعة، تجرى في أقل من 16 شهرا، ولكي يؤمّن نفسه، دعا لجنة النظام الداخلي، أي دستور الليكود، إلى اجتماع لإعفائه من السباق الحزبي الداخلي، من خلال إلغاء الآلية التي تفرض على الحزب، قبل كل انتخابات عامة، أن يُجري سباقا لاختيار مرشحه لخوض الانتخابات وترؤس الحكومة.

في هذا التوجه، كان نتنياهو يسابق غانتس، الذي حاول أن يتجاهل كورونا، ويتصرف كما لو أنها لم تكن. ويدعو في الوقت نفسه إلى تكليفه بتشكيل حكومة أقلية، تُعتمد لنيل الثقة على أصوات نواب القائمة المشتركة.

وكان توجه غانتس يتغاضى أيضا عن معارضة داخل مجموعة قيادة الحزب لأن تعتمد الحكومة على أصوات الأعضاء العرب. وقد تمسك غانتس بفكرته، رغم تمرد عضوين من نواب قائمته، ووقوفهم ضد خياره، ومعارضة هادئة من قبل أحد أهم عناصر قيادة حزبه، وهو الجنرال غابي أشكنازي.

غير أن الأمور تغيرت منذ الخميس الماضي 12/2/ 2020 بفعل الهلع الكبير الذي أصاب المنطقة والعالم من تفشي الوباء. تراجعت حسابات وتعقيدات الفايروس السياسي، أمام خطورة الفايروس الوبائي، ووافق رئيس حزب أزرق أبيض على تشكيل “حكومة طوارئ وطنية” وبأا هذا الخيار يتفشى ليشمل عناصر من الساسة، لا مصلحة لهم في مثل هذه الحكومة!

عندئذ، قال أفيغدور ليبرمان، العلماني المتطرف، وزعيم حزب إسرائيل بيتنا إن الحكومة المرتجاة اضطرارا، لا ينبغي أن تضم أحزابا دينية، وأن تقتصر فقط على الليكود وأزرق أبيض. وفي هذا الموقف، يسجل ليبرمان ثباته على اثنين من الاشتراطات: ألا يشارك في حكومة يترأسها نتنياهو، وألا ينضم إلى حكومة، تضم أحزابا عربية!

لكن نتنياهو نفسه، من جهته دعا غانتس إلى الحديث عن حكومة طوارئ، واستجاب الأخير له، مفضلا انضمام جميع الفصائل الثمانية في الكنيست داخل ائتلاف واسع، لا يستثني “القائمة المشتركة”. ولم يعط نتنياهو ردا فوريا على مقترح إشراك أحزاب عربية، رغم أنه هو نفسه، الذي قاد حملة ضد أعضاء الكنيست العرب، وصلت إلى حد اتهامهم بأنهم يؤيدون فكرة تدمير الدولة.

في هذه الأثناء، يقول المراقبون في إسرائيل إن بدء المفاوضات بين نتنياهو وغانتس، يمكن أن تتقدم إلى الأمام وأن تنجح، في حال أن يكون الرجلان، قد امتثلا فعلا للعلاج حتى الشفاء فعلا من فايروس السياسة.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com