خيارات الانتقام الإيراني
خيارات الانتقام الإيرانيخيارات الانتقام الإيراني

خيارات الانتقام الإيراني

حتى الآن يبدو الضجيج الإعلامي، الذي ينذر برد إيراني على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، إطارًا فضفاضًا لإمكانيات انتقام ضيئلة فعليًّا. فإيران المحاصرة اقتصاديًّا منذ سنوات، والمثقلة بأزمات من كل نوع، والمزنرة بقوى عسكرية معادية لها، ستضيف بعدًا جديدًا لأزماتها إنْ هي فكرت بعمل عسكري تقليدي يستهدف الوجود الأمريكي في المنطقة أو يطال حلفاء الولايات المتحدة فيها .

وقد رأينا شواهد كثيرة، على تردد إيران، بالانتقام عندما تعرضت قواعدها في سوريا، لضربات عسكرية إسرائيلية، وكانت تهديداتها تطوى في كل مرة، على إيقاع ضربات جديدة، يغطي غبارها، وأصداؤها الضربات القديمة.

في عملية اغتيال سليماني لا يبدو الأمر مختلفًا حتى مع التصريحات النارية للقيادات الإيرانية، رغم أن  مساحة المناورة الإيرانية هذه المرة أوسع من المرات السابقة، كما أن الأدوات المتاحة تتيح أشكالًا مختلفة من ردود الفعل .

وأول وأبرز ما يمكن ملاحظته في هذا المجال، هو الحديث عن الانسحاب الأمريكي من العراق، واعتبار هذا الانسحاب -إنْ حدث- حفظا  لوجه العسكرية الإيرانية، ونتيجة من نتائج تهديداتها بالانتقام.

ومع التحفظ مبدئيًّا على هذا الاستنتاج، فإن هذا الحديث هو اعتراف ضمني من إيران بالاستحواذ على العراق، كما أنه يعكس إحساسها بالسيطرة على القرار السياسي العراقي من جهة، ويؤكد مدى قدرة الميليشيات التابعة لطهران أو الحليفة لها على تجييش الشارع العراقي لممارسة ضغوط -لا ناقة له   فيها ولا جمَل-  وهي مظاهرات قد تحرج الولايات المتحدة وتجبرها على إعادة النظر في حجم ونوعية وجودها العسكري في العراق عمومًا وفي بغداد خصوصًا .

هذا السيناريو - إنْ حدث - لا يراعي المصالح الحقيقية للعراق الذي يمزقه إرث سياسي ودستوري معقد، وقد يجعل لأي انسحاب أمريكي متعجل أثمانًا باهظة، أبرزها المزيد من الارتهان لإيران وللمرجعيات الدينية التي تعيق استعادة العراق لمكانتة الإقليمية، وتأمين انعتاقه من حالة الفوضى والفساد التي يعيشها.

إيران تعلم أن انسحاب الولايات المتحدة من العراق، لن يغير من المعادلة العسكرية التي تحكم المواجهة مع إيران، فالوجود الكثيف للقوات الأمريكية في البحر وفي الجوار الآسيوي، كفيل بتأمين احتياجات الردع الأمريكي لأي عمل عسكري إيراني يطال قواتها، أو قوات حلفائها في المنطقة. وجل ما يعنيه الانسحاب من العراق، هو استخدامه كورقة دعائية تظهر أن هذا الانسحاب جاء بضغط التهديدات الإيرانية، أو نتيجة مخاوف واشنطن من تهديدات طهران بالانتقام.

هذا الانسحاب -إنْ تم بالفعل - يؤكد أيضا أن إيران تخوض معاركها مع الآخرين من ساحات خارجية، وليس من إيران نفسها . وقد رأينا تلك المعارك في العراق قبل أن تمتد إلى سوريا، ثم اليمن، فضلًا عن محاولات لتعكير الأمن في البحرين والمنطقة الشرقية في السعودية تحت لافتات طائفية .

هذه الإستراتيجية جنبت إيران مواجهات مباشرة مع المجتمع الدولي، وساهمت في حماية بعض علاقاتها الدولية وخاصة مع روسيا والصين، وساهمت في منع تدويل العقوبات الأمريكية، وإصدار قرارات دولية في هذا المجال.

لذلك من المستبعد أن تستهدف إيران، في أي مخطط انتقامي، دول الخليج بشكل مباشر، خوفًا من أن يؤدي عملٌ أحمق من هذا النوع إلى مواجهة سافرة مع المجتمع الدولي، بحيث  تفقد  طهران ما ظلت تتمتع به إلى الآن ويتمثل في  الحماية التي يوفرها  الفيتو الروسي أو الصيني واللذان  يمنعان صدور أي قرار دولي يحوّل الحصار الحالي الذي تقوم به الولايات المتحدة إلى حصار دولي،كما حدث للعراق عندما احتل الكويت في عام 1990، بعد أن وجد الاتحاد السوفياتي السابق والصين حرجًا في الاعتراض على قرار دولي يُجرّم اعتداء دولة عضو في الأمم المتحدة، على دولة أخرى عضو في المنظمة.

في ضوء ذلك كله، فإن أقصى ما يمكن أن تقوم به إيران انتقاما لمقتل قاسم سليماني لن يزيد على قيام عناصر مِن ميليشيات تابعة لها في المنطقة أو حول العالم بعمليات ذات طابع إرهابي، دون أن يكون لإيران حضور مباشر أو واضح فيها . بل إنها قد لا تكون قادرة على تنفيذ انتقام من هذا النوع، في ضوء الرقابة والمتابعة المفروضة على السلوك الإيراني، وعندها لن يكون من رهانات الانتقام الباقية  إلا الضغط على العراقيين للقيام بالانتقام لشخصية كانت -يا للمفارقة- سببًا من أسباب أزمات العراق ومعاناته، وهو ما أظهرته بوضوح المظاهرات التي جرت في العراق خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي كان سليماني أحد أبرز مَن استهدفتهم تلك المظاهرات .

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com