قراءة في خطاب متذاك!
قراءة في خطاب متذاك!قراءة في خطاب متذاك!

قراءة في خطاب متذاك!

أطل علينا الرئيس بشار الأسد في لقاء مع المحطة الإذاعية البريطانية يوم الثلاثاء الماضي، زين له أنه لقاء الانتصار على الأعداء، والبقاء في الحكم منتشيا، هكذا كان يريد أن يبدو، إلا أن الانطباع العام الذي تركه، أنه غير قادر على تقديم نفسه أو أفكاره بشكل منظم يقنع المشاهد. كان يتحدث إلى مريديه حديثا مكرورا، قال كلاما كثيرا، ولكنه لم يقل شيئا جديدا، فلو ترك أمر التصريح إلى بطانته، لترك النظام لنفسه هامشا من الانطباع أفضل، فالرئيس بشار كان وسيبقى إلى فترة طويلة، يعيش في فضاء متخيل، يطغى عليه إنكار الواقع الذي تعيشه سوريا وشعبها. لقد رد على المذيع في أكثر من مرة، أنه ليس لدينا في الجيش السوري (براميل) فقط لدينا قنابل! قال له المذيع هي براميل، رد بقوله هي في تسميتنا قنابل!! وأردف بخفة دم يحسد عليها، لا تقل لي إننا نستخدم أواني المطبخ لقتل الناس!!

لدى بشار مشكلة تكمن في الفرق في التسمية، هو يحدث العالم كما يحدث المطيعين حوله، وإذا كانت التسمية هي المهمة فإن الفرق بين الانتصار والهزيمة هي تسمية أيضا. قال: ليس بيننا تعاون مع الذين يناصرون الإرهاب، وسمى بضع دول، ثم أردف: إننا نتعاون معهم عن طريق طرف ثالث! هم يخبروننا «بأشياء»! قبل أن يفعلوا!! والإشارة كانت للولايات المتحدة والحملة الدولية على «داعش» ليعطي انطباعا كثيرا ما قال به نظامه، لا نقبل أن تنتهك السيادة السورية! وسريعا ما جاء نفي التنسيق بقول المتحدث الأميركي نحن «لم ولن» ننسق مع النظام السوري! وتساءل الأسد أثناء اللقاء هل من الممكن أن يبقى رئيسا في السلطة من يقتل شعبه ويقف ضد القوى الإقليمية وضد الغرب؟ كيف تقتل الناس وتحظى بدعمهم؟! الإجابة المبنطة التي يستهدفها أن ذلك مستحيل، إنك لا تقتل الناس وتحظى بدعمهم! وبالتالي بقاؤه حتى الآن على رأس السلطة، يعني أنه لا يقتل الشعب السوري، هو فقط يرسلهم إلى الآخرة أو المنافي!! الفرق في الكلمات، إذا ما كان بشار مطلعا على التاريخ، أو جادا في إجاباته، فكثير من الطغاة الذين قتلوا شعوبهم بالملايين بقوا في السلطة، ولكن إلى حين، فمؤشر البقاء في السلطة لا ينفي استباحة دماء كم هائل من المواطنين. تحدث عن استخدام الغاز السام، قال إن غاز الكلور يستخدم في المطابخ السورية! أما أن النظام استخدم الغاز السام، فليس هناك دليل على ذلك، ولتأكيد أنه لم يستخدم الغاز السام، يقول بشار في المقابلة إن «عدد الضحايا قليل»! بمعنى آخر أن الغاز السام يجب أن يترك آلاف الضحايا، وإن لم يفعل ذلك فإنه ليس غازا ولا ساما، الذي استخدم في غوطة دمشق، هو عطر استنشقه من لا يطيق شم العطور فمات!!

ألطف ما قاله بشار من النكت السوداء «نحن لا نبقى في الحكم من خلال الأميركيين، بل من خلال شعبنا» وربما فاته للحظة، أن المشاهد يعرف أنه بقي أيضا بسبب تدخل قطاعات «حزب الله»، الذي صرح بعض قادته جهارا نهارا بأنه لولا تدخلهم لسقط نظامه، كما أنه تجاهل الدعم غير المحدود من طهران، بدليل قتل بعض ضباط إيرانيين كبار في أكثر من موقع سوري، فلو قال نحن نبقى في الحكم بفضل حلفائنا لكان أكثر إقناعا للمشاهد قليل المعرفة! سأل المذيع كيف تنام وأنت تعرف أن هناك آلافا من القتلى، يقوم جيشك باستئصالهم يوميا، قال: لقد فقدت بعض الأصدقاء وبعض أفراد العائلة، ولكن هذا الأمر نعيشه يوميا، أي أن تعريب كلماته تقول «إننا اعتدنا على كمية القتل والتشريد، فلا ضرر من ذلك على ضميرنا»!! واستشهد بشار بأقوال أوباما تعليقا على المعارضة السورية، إنها غير فعالة، ومنذ قليل قال: إننا لا نبقى في الحكم من خلال الأميركيين!

السؤال هو لماذا ظهر الرئيس بشار الأسد في هذا التوقيت كي يطل على العالم الإعلامي من خلال محطة إذاعة/ تلفزيون دولي. في أغلب الظن أنه قرر أن يمني نفسه بحقنة مورفين بدايات جديدة، يعتقد أن الموجة التي طالته الآن في انحسار، وأن حربه ضد «الإرهاب»، وله مفهوم واسع جدا للإرهاب، سوف يقوم بها غيره، وأن أفضل ما لدى الغير من خيارات، بعد حرق الطيار الأردني بشكل بشع، أن يتعاون معه، ولو حتى إلى حين، يكون لديه الوقت والقدرة على شم أنفاسه وإعادة سلطته، وإن كانت منقوصة. ذلك تمنٍ أكثر منه حسابات عقلانية للتداعيات السياسية من حوله. فليس من المعقول في أي حسابات أن يبقى في السلطة بعد كل هذا الدمار وهذا القتل والتشريد. لم يبق سوري واحد إلا وقد أصابه من جراء صلف هذا الرجل ونظامه مصيبة، من قتل أو تشريد، فليس لعاقل أن يعتقد، مهما تلونت السياسة وتدحرجت، أن يقبل في قصر المهاجرين بشار الأسد كما كان. الشعوب لا تعرف العودة إلى الوراء. اختيار الحديث باللغة الإنجليزية، محاولة لإرسال رسالة إلى الشارع الغربي، الذي يرى بشار من خلال تقارير تقدم إليه معظمها متزلف، أنه يستطيع أن يربحه، بعدما أصبح هذا الشارع يضار مباشرة من الإرهاب الدولي، وبالتالي أعتقد أن هناك معادلة ممكنة ترى أن حرب الإرهاب تعني المساعدة في تأهيل بشار، مع وضع بعض الأصباغ على وجه النظام، وهي قراءة مرة أخرى ملتبسة. إلا أن مفردات الخطاب ولغة الجسد الذي ظهرت في المقابلة أبانت بوضوح، أن العالم أمام رجل له شهوة مرضية في السلطة، وهو جزء من أمراء الدم في سوريا لا يختلف عنهم، وليس على استعداد أن يتراجع أنملة عما فعل ويفعل، ومعارضوه إما مشرذمون أو إرهابيون، لا يأمن طرفهم أحد، وألا بديل غيره ونظامه في دمشق!

بدا للمشاهد صباح الثلاثاء الماضي أن ذئبا في شكل رجل، له آذان الذئب ومخالب القط يتحدث إليهم ببرود وابتسامات صفراء، وأيضا بصوت مخنوق لا يخفى ارتجافه. لقد تحدث بشار في القضايا الخطأ، في التوقيت الخطأ، مع معظم الجمهور الخطأ!

آخر الكلام:

العجيب أن بشار الأسد يتوافق في الكثير مع «داعش»، فهم يحرمون الانتخابات وتداول السلطة والمشاركة، ويتوسلون القوة الوحشية ضد مخالفيهم، وهو يفعل ذلك بالضبط.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com