النظام السوري لعبة وحيدة وكلمة واحدة
النظام السوري لعبة وحيدة وكلمة واحدةالنظام السوري لعبة وحيدة وكلمة واحدة

النظام السوري لعبة وحيدة وكلمة واحدة

لا حاجة إلى جهد كبير للتأكّد من أنّ النظام السوري ما زال يلعب اللعبة نفسها. هناك لعبة وحيدة يتقنها النظام اسمها لعبة الهروب إلى أمام. ولكن ثمة كلمة واحدة يفترض به استيعاب معناها والعمل بمقتضاها في حال كان يؤمن فعلا بالصراحة، وليس بالتحايل على الصراحة والنصوص.



هذه الكلمة هي فعل من الماضي. كلمة "انتهى" هي التي يتوجب على النظام فهمها. النظام انتهى وبات ينتمي إلى الماضي. هذا كلّ ما في الأمر. تلك هي النتيجة الوحيدة التي يمكن استخلاصها من مؤتمر جنيف 2 الذي أنهى أعماله قبل أيّام.

للمرّة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية قبل أقلّ بقليل من ثلاث سنوات، جلس ممثلو النظام في غرفة واحدة مع ممثلي الشعب السوري. لم يجد السيّد وليد المعلّم، الذي يمثّل النظام لكونه وزير خارجيته، ما يقوله سوى أنّه "لم يكن هناك شريك يمكن التفاوض معه". بما أن ممثلي الشعب السوري ليسوا شريكا في المفاوضات، لماذا كانت مشقة المجيء إلى جنيف أصلا؟

لا يشبه منطق المعلّم، الذي هو في الواقع منطق النظام وليس هذا الشخص أو ذاك، سوى منطق اليمين الإسرائيلي. كان أرييل شارون يرفض التفاوض مع ممثلي الشعب الفلسطيني من أجل التوصل إلى تسوية من منطلق أن "لا شريك يمكن التفاوض معه". النظام السوري لا يرى في الشعب السوري شريكا. ولا يبحث في الأصل عن شريك.

ورث بنيامين نتانياهو هذا الموقف، الرافض لوجود الشعب الفلسطيني، واعتمده في السنوات القليلة الماضية بعدما خلف شارون في موقع رئيس الوزراء الإسرائيلي. لم يعد نتانياهو إلى طاولة المفاوضات سوى بعد ضغوط أميركية فرضت هذه العودة، كما فُرضت على الفلسطينيين أيضا. في النهاية، عاد إلى المفاوضات معترفا بأن هناك شريكا فلسطينيا شاء من شاء وأبى من أبى… على طريقة ما كان يردّده ياسر عرفات، رحمه الله.

مثلما كان اليمين الإسرائيلي يرفض الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني، يرفض النظام السوري الاعتراف بوجود الشعب السوري. بالنسبة إلى نتانياهو، هناك إرهابيون، كلّ فلسطيني إرهابي، بالنسبة إلى النظام السوري، هناك إرهابيون. لا وجود لشعب يسعى إلى استعادة كرامته أوّلا. بغض النظر عن كلّ ما يدّعيه النظام السوري، الذي جاء بشخصية سنّية من دمشق تتحدّث باسمه بغية تغطية ممارساته التي تصبّ في إثارة الغرائز المذهبية، يمثّل حضوره مؤتمر جنيف خطوة أولى على طريق الخروج من السلطة.

كم سيأخذ ذلك وقتا؟ يظل ذلك السؤال المحيّر. هذا السؤال بات مرتبطا إلى حدّ كبير بالدعم الإيراني والروسي لنظام لم يجد ما يقوله في جنيف سوى وصف شعبه بـ"الإرهابي" من جهة، ومهاجمة الإدارة الأميركية من جهة أخرى.

لا يمكن للنظام السوري، الذي تطوّر منذ 1970، من نظام يحكم بالحديد والنار معتمدا على تغطية يشكلّها تحالف بين الأقلّية العلويّة من جهة، وسنّة الأرياف وبعض الأقلّيات من جهة أخرى… إلى نظام تديره عائلة معيّنة والمحيطون بها، إلاّ أن يرحل.

عندما يصل نظام إلى وصف شعبه بـ"الإرهابي"، والتذرع بأن الدعوة إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية لم ترد سوى في الفقرة الثامنة من بيان جنيف 1، فإنّ ذلك دليل على أنه لم يعد أمام هذا النظام سوى لعبة واحدة. هذه اللعبة اسمها الهروب إلى أمام من أجل كسب الوقت.

إلى متى يمكن الاستمرار في لعبة كسب الوقت التي تعني أوّل ما تعني تفكيك سوريا والقضاء على أي أمل في إعادتها دولة موحّدة؟ المؤسف أن هناك من هو على استعداد لتمويل هذه اللعبة بالمال والرجال والسلاح والشحن المذهبي لفترة طويلة. هناك استعداد إيراني أساسا، وروسي إلى حدّ ما، لممارسة هذه اللعبة التي تستفيد من وجود إدارة أميركية تتمتع بمقدار كبير من السذاجة.

تفضّل إدارة أوباما، إلى إشعار آخر، التفرّج من بعيد على ما يدور في سوريا مكتفية بين وقت وآخر بتصعيد كلامي لا تتبعه أي أفعال باستثناء ما أعلن أخيرا عن تزويد الثوّار "المعتدلين" ببعض السلاح. من يضمن، عمليا، وصول السلاح إلى الثوّار؟ من يضمن تخلّي النظام عن ترسانته الكيميائية التي تظاهر بأنه سلّمها حيث يجب تسليمها بغية إتلافها؟

تبدو لعبة الهروب إلى أمام من أجل كسب الوقت مستمرّة. يمارسها النظام في سوريا على غرار ما فعله في لبنان طوال ربع قرن وأكثر. لم يفهم أنه كان عليه الخروج من لبنان قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وأنه كان معنيا بالقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن، مثله مثل ميليشيا "حزب الله" المذهبية. من خرج من لبنان لا يمكن إلا أن يخرج من سوريا. لا لشيء سوى لأنّ الانسحاب من لبنان كان دليلا ولا أوضح على أن عملية الهروب إلى أمام صارت من الماضي البعيد.

في استطاعة النظام السوري الادعاء أنه يحارب الإرهاب الذي هو من صناعته. في استطاعته خلق "داعش" في سوريا والعراق، كما فعل قبل ذلك في لبنان حيث خلق "فتح الإسلام". في استطاعته خلق الحيلة بعد الأخرى. لكنّ الحيلة تظلّ حيلة، كما للتحايل حدود.

في أساس جنيف 1، وجنيف 2، وجنيف 3، وجنيف 4… أن النظام، أي نظام، مهما امتلك من أجهزة أمنية ومن ميليشيات مذهبية يستوردها من الخارج، لا يستطيع الانتصار على شعبه. لو كان ذلك ممكنا لكان تشاوشيسكو لا يزال حيّا يرزق، هو ونظامه… لكان جدار برلين لا يزال قائما!

(العرب اللندنية)

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com