باكستان ومساعي الوساطة بين إيران والسعودية
باكستان ومساعي الوساطة بين إيران والسعوديةباكستان ومساعي الوساطة بين إيران والسعودية

باكستان ومساعي الوساطة بين إيران والسعودية

إذا قُيّض لمحاولات الوساطة مع إيران أن تنجح في تحقيق نوع من الانفراج الإقليمي، فإن ذلك يدل على أن الضغوط التي تتعرّض لها طهران منذ بعض الوقت، تؤتي أوكلها، وتعطي ثمارها، لإقناع إيران بتغيير سلوكها السياسي، ولجم طموحات الهيمنة، التي كانت لها تعبيرات واضحة على مدى عقود، وتمثلت أخيرًا، بشكل سافر في التمدد الميداني في العراق وسوريا، وفي الشحن الطائفي المتزايد الذي وضع المنطقة على صفيح ساخن يهدد أمنها واستقرارها.

الوساطة إن حدثت تمثل طوق النجاة لإيران المثقلة بالأزمات، والمزنرة بحصار اقتصادي، وبكم هائل من الشكوك وانعدام الثقة. في حين أن دول الخليج، التي تتمتع بفضاء واسع من العلاقات والإمكانات الاقتصادية والاستقرار الداخلي، لا تتلهف على وساطة من أجل الوساطة، ولا تسعى إلى حوار لا تتوافر فيه المصداقية في النوايا، والجدية في التنفيذ.

الإشارات "المشجعة " التي أعلنت عنها الخارجية الباكستانية، وهي تتحدث عن الوساطة الحالية التي يقوم بها رئيس وزراء باكستان عمران خان بين إيران والسعودية، تشير إلى أن هناك "استعدادًا إيرانيًّا لحوار مختلف مع الرياض"، وكأن الوسيط الباكستاني ُيقر ضمنيًّا، بأن إيران تتحمل وزر نجاح، أو فشل أي وساطة، وأن دول الخليج في المقابل ليس لديها ما تقدمه ثمنًا لأي مرونة إيرانية، إنْ توافرت.

هذا الاستعداد الإيراني ـ إنْ صدقت الإشارات القادمة من طهران-، هو ما كانت تفتقر إليه جهود الوساطة المتعاقبة، منذ مجيء النظام الإيراني الحالي في نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي وحتى الآن.

فمنذ ذلك الوقت، بدأت إيران باستفزاز المنطقة، بإعلانها عن تصدير الثورة، وتطويرعلاقات طائفية بالمنطقة، بهدف التسلل إلى النسيج الاجتماعي الخليجي، وصولاً إلى تهديد الاستقرار في العديد من دول المنطقة، فضلًا عن قيامها بإطلاق برامج مثيرة للشكوك، لتصنيع حربي يتجاوز، في أهدافه وغاياته، الأمن الوطني لإيران، ويؤسس لرغبة واضحة للمؤسسة العسكرية الإيرانية بشقيها النظامي، والميليشياوي، وصولاً إلى التحول إلى قوة هيمنة إقليمية.

عناصر الخلاف مع إيران، تظهر بوضوح أن كُرة أي وساطة، هي الآن في المرمى الإيراني. فطهران هي التي تهدد، وهي التي تتمدد، وهي التي تسعى للهيمنة، وتعمل على ترجمتها، وتحويلها إلى أعمال عدوانية مكشوفة.

في المقابل - وبعكس السلوك الإيراني - لم يكن لدول المنطقة أيُّ أجندة عدوانية، ولا طموحات إقليمية في إيران، لا قبل الثورة ولا بعدها، ولم تحاول هذه الدول، أن تفرض في خطابها أيَّ أجندة سياسية ولا أيديولوجية، أو طائفية على الجانب الإيراني، في حين ظل البرنامج التسليحي الخليجي بحدود احتياجات الأمن الوطني، واعتبارات الاستقرار الإقليمي.

وأكثر من ذلك فإن دول الخليج حاولت أكثر من مرة وبأكثر من صورة  احتواء الخلافات المتتالية مع القيادة الإيرانية، لكن جهودها كانت تصطدم -باستمرار- بخطاب سياسي وأيديولوجي جامد، أعاق تقدم العلاقات بين الجانبين، والوصول بها  إلى صيغة مستقرة من التفاهم القابل للتطور والنماء.

إذ لم تترك إيران -حتى في ظل المراحل التي كانت فيها العلاقات تشهد هدوءًا نسبيًّا-  أي فرصة، لترجمة طموحاتها في  الهيمنة، وتجسيدها واقعًا فعليًّا على الأرض. إذ قامت أوّلًا بتكريس نفوذها في العراق، وحولته من دعم سياسي وطائفي، لأطراف داخل صفوف المعارضة العراقية، إلى وجود عسكري فعلي ثابت هناك، ألقى بظله على الحياة السياسية والاقتصادية العراقية، قبل أن يتحول إلى منطلق  للتمدد  إلى سوريا، مشكّلًا مع النفوذ الإيراني المتصاعد  في لبنان، حلقة جديدة من حلقات الهيمنة، التي استهدفت هذه المرة الوصول إلى البحرين، والعبور إلى اليمن.

في ضوء هذه المعطيات المثيرة للمخاوف والهواجس الخليجية، فإن نجاح أي وساطة مع إيران يرتبط بمدى الجدية في تجاوب طهران، وتفهمها لتلك الهواجس والمخاوف، ومدى قدرتها على توفير تطمينات فعلية وحقيقية مقنعة لشركائها في الإقليم.

ودون ذلك لا يمكن الوصول إلى نجاح حقيقي لأي وساطة بين الجانبين، وسيظل أيُّ مسعى قاصرًا عن تحقيق اتفاق سياسي وأمني مستقر بين ضفتي الخليج العربي.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com