بوتين مطلوب خليجيًّا
بوتين مطلوب خليجيًّابوتين مطلوب خليجيًّا

بوتين مطلوب خليجيًّا

على خلاف المرات السابقة التي زار فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منطقة الخليج، فإن الجولة الجديدة التي يبدأها الاثنين بزيارة السعودية، ويعقبها بزيارة للإمارات، تشكل نقلة كبيرة في العلاقات الروسية الخليجية، التي ظلت محاطة بالشكوك الموروثة من الحقبة السوفيتية، أو بسوء الفهم الذي خلفه التدخل الروسي في سوريا، والذي مثل على مدى السنوات القليلة الماضية تحديًا للعلاقات بين الجانبين.

بوتين يأتي للمنطقة في مناخ جديد، وبمعطيات مختلفة. فهناك تبدل كبير في المواقف، واختلاف في الأولويات، وبمستوى ونوعية التفاعل مع المستجدات.

وبعكس المرات السابقة فإن بوتين يكاد يكون مطلوبًا هذه المرة، لا طالبًا، ولا حتى مطالبًا. فهناك تفهم  واعتراف خليجي متزايد بأهمية الدور الروسي، إنْ في الساحة الدولية، أو على المستوى الإقليمي. كما أن هناك اقتناعًا واضحًا، بأهمية الانفتاح على هذا الدور، خاصة في ضوء ما جرى في سوريا، وما قامت به موسكو هناك، على الصعيدين العسكري والسياسي، وفي ضوء ما نسجته موسكو من علاقات إقليمية جعلت منها اللاعب الأكبر في المنطقة.

لم يعد هناك من يستنكر أو يستهجن، -حتى لا نقول يعارض- ما تقوم به روسيا في سوريا، ولا إنكار المصالح الروسية العسكرية والأمنية في المنطقة، خاصة بعد انحراف كثير من قوى المعارضة السورية وتسلل قوى التطرف والإرهاب لصفوفها، واختطافها لخدمة أجندات وتنفيذ برامج تهدد الأمن الإقليمي والدولي، وتتعارض مع تطلعات السوريين ومصالحهم.

نجاح روسيا في احتواء بعض قوى المعارضة والتواصل معها، واستدراجها لحوارسياسي مع النظام السوري، فضلًا عن طرحها العديد من المبادرات لحل الأزمة السورية، لاقى ترحيبًا من الدول الخليجية التي رأت فيها مدخلًا ممكنًا لحل الأزمة، خاصة بعد ظهور مؤشرات كبيرة وواضحة على استعصاء الوصول إلى حسم عسكري للصراع الأهلي السوري .

بل إن تلك المبادرات والاتصالات الروسية التي شملت - في البدء –بعض القوى الإقليمية المنافسة - ، أصبحت – بما آلت إليه من نتائج وتفاهمات- عاملًا مشجعًا لدول الخليج للانخراط في تلك الاتصالات، لا من أجل الأزمة السورية فقط، بل من أجل حلحلة قضايا إقليمية أخرى تؤثر على أمن المنطقة وتقض مضاجع دولها.

في المقابل فإن روسيا أدركت -حتى وهي الرابح الأكبر في الأزمة السورية- أنها لا تستطيع المضي في جهودها لحل هذه الأزمة حلًّا نهائيًّا، دون أن تأخذ هواجس دول المنطقة بعين الاعتبار، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأدوار التي تلعبها بعض القوى الإقليمة، والتي تتعارض في كثير من جوانبها مع مصالح دول الخليج.

وحسب ما يراه كثير من المراقبين فإن روسيا التي تعاونت مع إيران، وتركيا في مراحل عديدة من الأزمة السورية، قد تجد نفسها مضطرة لمراجعة حساباتها اليوم إن هي أرادت الوصول إلى مخرج مقبول يرضي الأطراف الأخرى المؤثرة في الساحة السورية، وبالتحديد الأطراف الخليجية .

مراجعة الحسابات هذه، قد لا تعني -بالضرورة - القطع مع إيران أو تركيا لصالح الموقف العربي، لكنها قد تتطلب إيجاد نوع من التوازن في الكيفية التي تتعامل فيها روسيا مع مختلف الأطراف .

وطوال الفترة الماضية كانت روسيا تتردد في الضغط على الطرفين التركي والإيراني، لأن الموقف الخليجي إزاء الدور الروسي لم يكن متبلورًا بعد؛ إذ كانت لا تزال لدى دول المنطقة شكوك كثيرة حول مدى وأهداف التنسيق الروسي مع كل من تركيا وإيران، ولم يكن هناك وضوح كاف، لمدى استعداد موسكو للضغط باتجاه تحجيم تطلعات الهيمنة الإيرانية والتركية .

لكن في ضوء التطورات الميدانية في سوريا، والنجاح الكبير الذي حققته جهود لجم قوى التطرف والإرهاب، ونجاح الجهود السياسية في الوصول لمرحلة تشكيل اللجنة الدستورية، التي تمثل الخطوة الأساسية في استحقاقات الحل السياسي للأزمة السورية، وجدت دول الخليج أن غيابها عن هذه الجهود السياسية يحرمها من قطف ثمار ما ينتظر من حلول واستحقاقات.

بوتين الذي يملك خطوط تواصل مع الجميع، هو الوحيد الذي يملك كلمة مسموعة ومؤثرة، تسمح له بتقديم اقتراحات ومبادرات من شأنها جمع مختلف الأطراف، وإيجاد قواسم سياسية مشتركة بينهم لا فيما يتعلق بسوريا فقط بل في مجمل القضايا الإقليمية الأخرى، وزيارته للرياض ومن ثم أبوظبي، قد تكون أول الغيث، الذي يبشر بحلول سياسية قد تغير وجه المنطقة وتعيد لها ما فقدته من أمن واستقرار.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com