سنة (هجرية) سعيدة
سنة (هجرية) سعيدةسنة (هجرية) سعيدة

سنة (هجرية) سعيدة

زياد الدريس

صباح السبت الماضي كان استثنائياً، ليس لأنه كان اليوم الأول من شهر محرم للعام الهجري الجديد ١٤٤١هـ، ولكن لأن الناس كانت تتبادل فيه التهاني بعبارات رقيقة، أو رسومات (إنفوغرافيك) تعبيرية بهيجة، وكأننا في يوم ١ يناير وليس ١ محرم!

ما لا يمكن إنكاره هو مبالغتنا في إهمال التقويم الهجري وتهميشه بشكل كامل، وليس كما كنا نقول في بدايات الإهمال: أننا فقط نستخدم التقويم الميلادي في المعاملات ذات البعد والتواصل الدولي التي لا فكاك من استخدامها، مثل مواعيد الطيران والمراسلات العابرة للحدود. أما المواعيد الاجتماعية فيمكن استخدام التقويم الهجري، وتثبيته بعبارة: (حسب تقويم أم القرى)، أو استخدام الاثنين معاً.

ما زلت أؤمن بأنه من السذاجة تعييب استخدام التاريخ الميلادي بشكل مطلق، مثلما أنه من العيب استخدامه بشكل دائم، حتى في مناسباتنا الدينية التي نزل الشرع الإسلامي بها على التقويم الهجري، كأن نقول: حج 2019 أو رمضان 2020، ما لم يكن هذا التعيين مخصصاً لأولئك الذين لا يعرفون الهجري.

"التقاويم" ليست فقط وسيلة لمعرفة تاريخ اليوم، بل جزء من ثقافات الشعوب وإرثها الاجتماعي والاقتصادي والديني. وهي تتنوع بين تلك المرتبطة حساباتها بالقمر كالتقويم الهجري (الإسلامي) أو المرتبطة بالشمس كالتقويم الميلادي (المسيحي) أو بالشمس والقمر معاً كالتقويم العبري (اليهودي).

ولم يجرؤ أيٌّ من دارسي أنثروبولوجيا التقاويم عند الشعوب إعطاء أفضلية مطلقة لتقويمٍ محدد، فلكل تقويم مزاياه ونواقصه، كما أن نسبة الخطأ الحسابي في تقسيم أيام السنة على الشهور الإثني عشر متقاربة، وقد قامت كل ثقافة باجتراح حلول حسابية لعلاج التزحيف الزمني الناتج عن فروقات مدة دوران الأرض مع الشمس والقمر.

ورغم هيمنة التقويم الميلادي في العالم الآن، إلا أن كثيراً من الشعوب، كاليهود والفرس والصينيين وهنود وأفارقة، ما زالت تستخدم تقاويمها الموروثة عبر قرون في مناسباتها الدينية واحتفالاتها الاجتماعية، المرتبطة خصوصاً بمواسم الزراعة والصيد.

والخلاصة، أن التقويم الميلادي الآن هو المهيمن، بالاصطفاء التلقائي للقوى المهيمنة في العالم. والاعتراف بهذا الأمر سيريحنا من كثيرٍ من التباكي. لكن هذا الاعتراف والإقرار لا يبرر منا الإهمال المطلق للتقويم الهجري وهجرانه كأنه لم يكن!

حافظوا على قداسة استخدام التقويم الهجري في المناسبات الدينية، وكلّما استطعتم الجمع بين التاريخين الهجري والميلادي، وأحيوا الاحتفال بمطلع السنة الهجرية الجديدة كما فعلتم يوم ١ محرم الجاري، فهذه اللمسات البسيطة كفيلة بعدم طمس التاريخ الهجري من موروثنا الثقافي.

الحياة

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com