اتفاق أنقرة وواشنطن حول سوريا
اتفاق أنقرة وواشنطن حول سوريااتفاق أنقرة وواشنطن حول سوريا

اتفاق أنقرة وواشنطن حول سوريا

عدلي صادق

جاء الاتفاق الأميركي التركي على إنشاء ما يُسمى منطقة عازلة في شمالي سوريا، معيبا لأنقرة، وكاشفاً لزيف اعتراضها على السياسة الأميركية حيال قضايا الشعوب المسلمة، ويؤكد في الوقت نفسه على عدوانية الطرف الأميركي، إذ يندرج في السياق الذي درجت عليه الولايات المتحدة، في استهتارها بمصائر أوطان الآخرين والوحدة التمامية لأراضيهم!

يحق للمواطن العربي في كل مكان، أن ينظر إلى هذا الاتفاق، باعتباره فعلاً غادراً، لما فيه من التعدي على حدود بلد عربي، بذرائع تعميم السلام في ممرات جغرافية تُقتطع من أراضيه، وما يتخلل هذا العمل من مزاعم عن فتح أبواب الأمل وإعادة اللاجئين. فمن خلال التجارب يعلم اللاجئون أنفسهم، كما تعلم الشعوب، أن واشنطن بسياساتها وعسكرها، لا تفتح أملاً لشعب مظلوم، ولا تسهم في صنع استقرار.

كذلك فإن أنقرة الأردوغانية، تدرك أن الخطط الإستراتيجية عندما تُصنع مع واشنطن، أو مع الروس، تناقض الخطاب “الإخواني” الذي ترعاه، أي الخطاب الذي يُعيب على الآخرين علاقاتهم بواشنطن ويصر على تخوينهم ويتهمهم بالارتهان للسياسة الأميركية أو لإسرائيل. وهذه حقيقة لا تستند إلى فرضيات ظنية أو اتهامات، وإنما يبرهن عليها اتفاق مُعلن، على الشروع في عمل تأنف الإقدام عليه أية دولة وازنة تتبنى سياسات تتسم بالحد الأدنى من احترام أسس العلاقات الدولية.

فمن حيث المبدأ، يفتح مثل هذا الاتفاق الباب، من جديد، للحديث عن لاصدقية الإدعاءات التركية الأردوغانية بخصوص مشروع إسلامي ينتصر للشعوب المسلمة المظلومة. فهو يأتي بالأميركيين لكي يسهموا في اقتطاع أراضٍ عربية سورية تحت عناوين واهية.

واللاجئون المرادُ إسكانهم في الشريط المزعوم، إن كانوا من أهالي سوريا الطبيعيين، أي الذين لم ينخرطوا في الصراع وإنما باتوا من ضحاياه؛ لا يرون عودتهم إلى بلادهم بإعادة إسكانهم في شريط جغرافي، وإنما يرون أن العودة الآمنة تتحقق عندما يعودون إلى قراهم ومدنهم التي كانوا يعيشون فيها وعاش فيها آباؤهم وأجدادهم. واللاجئون الذين يتحدث عنهم الاتفاق، ليسوا اللاجئين الذين أصبحوا في المهاجر الكثيرة الأخرى، وإنما هم تحديداً اللاجئون غير النافعين، أي الذين لم تستفد منهم تركيا الأردوغانية، عندما جعلتهم ينقلون إليها مقدراتهم العينية، من مشاغل وأدوات إنتاج ومدخرات مالية، ومنحت الكثيرين منهم الجنسية التركية. فمن بين أولئك اللاجئين غير النافعين، العناصر التي انخرطت في النزاع المسلح وتطرفت والتحقت بالمجموعات الإرهابية ولم تعد أنقرة في حاجة إلى استخدامهم، ووجبت في حساباتها إعادتهم مع أسرهم إلى داخل الحدود السورية.

دروب العودة إلى الوطن أصبحت مفتوحة أمام قطاعات واسعة من اللاجئين السوريين. ولعل ما يمنع عودتهم بكثافة، هو التدمير والركام الذي طال بيوتهم وضيق هامش الرزق أمامهم حتى الاختناق. أما الشريط الجغرافي الذي اتفق الأتراك والأميركيون على جعله آمناً، فهو ليس شريط تنمية، لكي يعود إليه الراغبون في العمل والاستقرار. فلا حاجة للاجئين السوريين إلى مناطق عازلة أو معزولة، يشارك في حراستها الأميركيون المجافون لكل دواعي وضرورات السلام في الإقليم. فالأميركيون هم الذين يحرسون المظالم والظالمين في فلسطين وغيرها.

والمسألة هنا، ليست محض توقعات بأن مثل هذا العمل الشائن، من شأنه إدامة أمد النزاع المسلح الذي سيكون وقوده الناس. فلا يختلف اثنان في أن إعادة إسكان اللاجئ في ممر جغرافي بعيداً عن منطقة سكناه الأصلية تعادل الرمي في المحرقة.

ويمكن القول استطراداً، إن أنقرة أسهمت منذ البداية، وبشكل فادح، في طعن انتفاضة الشعب السوري ضد الدكتاتورية، وكان ذلك من خلال ضخ العناصر الإرهابية، وهي أعتى وأقبح من النظام، إلى الأراضي السورية، حتى باتت ثورة السوريين، ذات المضامين الديمقراطية والاجتماعية، محض صراع يخوضه الخائضون ضد قوى ظلامية وإجرامية.

وفي المحصلة، كان لمناورات وألاعيب رجب طيب أردوغان ومقارباته الإسلاموية، إسهامها مع المسهمين الروس والإيرانيين، في تأمين بقاء النظام. أما هذا النظام، من جانبه، فلن يقبل بعد النجاة، بأقل من السيطرة الاسمية على جميع أراضي بلاده، وفي حال خضع أي جزء من سوريا لاحتلال أجنبي مرفوض من قبله، فإن الحرب لن تخمد حتى يجلو هذا المرفوض ويبقى الأجنبي الروسي المُرحب به، ويغادر مع هذا وذاك الإيراني الذي لا تريده إسرائيل.

فالنظام يرتضي هذه الصيغة، ويراها ضامنة للحد الأدنى من شروط بقائه، مثلما يرى أردوغان، أن صيغة الشريط، بالاتفاق مع الأميركيين، يمكن أن تحقق له الحد الأدنى من المصالح والغايات التي داعبت أحلامه، دون اعتراضات إسرائيلية. فالاتفاق مع واشنطن، لم ينبثق إلا عن مناخات المراعاة التامة لمتطلبات تل أبيب، ولم يخرج على هذه المناخات ولم يغالط حساباتها.

معلوم أن الأميركيين جاءوا من بعيد، بأكذوبة حماية بعض مواليهم من المكون القومي الكردي الذي خانوه مرات ومرات على مر التاريخ. والاتفاق مع أردوغان بالنسبة لهم، يعني منح الأتراك الأمان مقابل الهجوع. والتحالف الأميركي التركي الذي يريد اقتطاع جزء من سوريا والهيمنة عليه، له مواويل أخرى، تتعلق بثروات الغاز التي اكتشفت في شمالي سوريا، على امتداد خط عرضي من ساحلها وحدودها البحرية إلى صحرائها على الحدود الشرقية. فقد أصبحت سوريا، بالنسبة لجميع الأطراف الضالعة في الحرب على أرضها، مجرد كعكة يريد كل طرف نصيبه منها. أما النظام فحسبه أن يرضى ويهنأ بدور المُضيف الكريم، الذي يبتسم لجميع الذين يتفقون على القسمة، وهو الذي فعل كل شيء، لكي يجعل السوريين الذين تبقوا في وطنهم، يفضلون الروس على الإيرانيين والأتراك.

في الحسابات المجردة، التاريخية والقانونية، تنظر الشعوب إلى الاتفاق الأميركي التركي، باعتباره عملاً من الأعمال الكثيرة الراهنة، التي تخرق سيادة بلد عربي وتعتدي على أراضيه، سواء كان ذلك بالتواجد الغريب على الأراضي السورية، أو بالقصف الإسرائيلي، أو بإنشاء الممرات والجيوب داخل هذه الأراضي.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com