العرب والصين الشعبية.. مشعل السبق في أبوظبي
العرب والصين الشعبية.. مشعل السبق في أبوظبيالعرب والصين الشعبية.. مشعل السبق في أبوظبي

العرب والصين الشعبية.. مشعل السبق في أبوظبي

عبدالقادر الزاوي

يبدو لافتًا للانتباه منذ مطلع الألفية الجديدة التوجه العربي المكثف صوب الصين الشعبية التي أصبحت قِبلة صناعية وتجارية واستثمارية كبيرة يَخطبُ معظم دول العالم ودَّها. صحيح أن هذا التوجه نحو بكين ليس وليد اليوم، ولكنه غدا في الحقبة الأخيرة سياسة ثابتة لدى معظم الدول العربية بما فيها تلك التي كانت تقليديًّا تحسب على المعسكر الغربي، وتدور في فلك قواه الكبرى: الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، وفرنسا. وقد أملت هذا التوجه مجموعة عوامل موضوعية ومعطيات تتعلق بتطورات الساحة الدولية، بعيدة كل البعد عن الاعتبارات الأيديولوجية التي أضحت متجاوزة أيضًا حتى لدى صانع القرار في بكين.

* رغم أن النظام السياسي في الصين الشعبية ظل منغلقًا، ومقاليد السلطة فيه بيد الحزب الشيوعي، وقيادته الرافضة لأي انفتاح سياسي ذي طبيعة ليبرالية، إلا أن الصين استطاعت بناء أنموذج اقتصادي وتنموي متنوع ومتزن يعتمد على المزج بين استيعاب التكنولوجيا الحديثة، وحسْن توظيف الطاقات البشرية الهائلة، والاستفادة من آليات أنظمة السوق التجارية المفتوحة.

هذه الوصفة التي نجحت في إحداث التوازن بين قواعد رأسمالية السوق، وبين القدرة على التحكم في ضبط الحياة السياسية الداخلية رأى كثيرون أنها تلائم الأوضاع العربية إلى حد كبير؛ لأنها تحقق النمو الاقتصادي المنشود وتمنع الانفلات السياسي المنبوذ.

* بعد الثراء المادي والتكنولوجي الذي حدث في البلاد، خرجت الصين الشعبية اقتصاديًّا إلى العالم استنادًا إلى ما راكمته من خبرات ومن فوائض مالية أرادت توظيفها لزيادة إشعاعها، ساعية إلى البحث عن تأسيس علاقات إستراتيجية مستخدمة أدوات القوة الناعمة الأقل كلفة والأشد تأثيرًا والأكثر طمأنة للمتعاملين معها.

في هذا الصدد وجدت الدبلوماسية الصينية استعدادًا كبيرًا لدى الدول العربية جميعها للتجاوب مع توجهاتها الرامية إلى أن تكون فوائد التنمية المرجوة مشتركة ومفيدة للطرفين معًا، خاصة وأن بكين حريصة على تفادي التظاهر بالقوة، وليس لها ماض استعماري في المنطقة من شأن أي تذكير ولو عرضي به أن يوقظ هواجس الخوف والتردد، وذلك رغم مزاعم الإدارة الأمريكية عما تسميه قيام الصين بتغرير دول العالم لتوسيع دائرة نفوذها وتأثيرها.

* تزامن الانفتاح الكبير على الصين الشعبية والدخول في شراكات فعالة ومتطورة معها مع تصاعد التوترات في المنطقة العربية، وخاصة في منطقة الخليج التي تزود بكين بحوالي 50% من احتياجاتها البترولية. وإذا أضفنا إلى ذلك أن المبادلات التجارية العربية الصينية تجاوزت سنة 2016 مبلغ 250 مليار دولار، زهاء 70% منها مع دول مجلس التعاون الخليجي يتضح أن توطيد العلاقات مع الصين بات ضرورة اقتصادية وإستراتيجية مصيرية. فالحضور الصيني في المنطقة سيشكل حينها عامل تهدئة في المنطقة، وعامل ردع لكل من قد يفكر بدفع أزمات المنطقة إلى الانفجار.

نتيجة لكل ما سبق، ونظرًا لتزايد سياسات الابتزاز الغربي، الذي يوظف النزعة المهيمنة الموجودة لدى ملالي طهران، وتصاعد المواقف ذات الطبيعة المتطرفة في الغرب ضد العالم العربي والإسلامي ستواصل معظم الدول العربية انفتاحها على الصين الشعبية، وستعمل من جهتها على نجاح إستراتيجية "الحزام والطريق" الهادف لإحياء طريق الحرير التقليدية بمعطيات عصرية تروم بناء نهضة اقتصادية وثقافية وإنسانية على طول الطريق القديم.

إن مؤشرات الاستعداد العربي للإسهام بفاعلية في إستراتيجية "الحزام والطريق" بدت في ترحيب الكثير من العواصم العربية بها، ومبادرتها للتواصل مع بكين بشأنها في شكل زيارات متبادلة على أعلى المستويات، واتفاقات مبرمة في العديد من المجالات، وفي منح تسهيلات مميزة لتنقل الإنسان ورؤوس الأموال.

ولكن من كل هذا الزخم تبدو الإمارات العربية المتحدة الأكثر انغماسًا في هذا المضمار. لقد سجلت عشر السنوات الأخيرة أربع زيارات رسمية لولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى الصين الشعبية، وتميزت بقفزة نوعية في مجال التجارة والاستثمار يترجمها نمو حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي أصبح يناهز 50 مليار دولار، واستقرار حوالي 4000 شركة صينية في الإمارات، ناهيك عن نمو مطرد لإقامة الجالية الصينية هناك، والبالغ عددها زهاء 200 ألف.

وإذا أضفنا -أيضًا- النمو المتسارع للتبادل الثقافي والطلابي والبحث العلمي بين البلدين، وأسبقية أبو ظبي في الانضمام كعضو مؤسس في بنك الاستثمار الخاص بتمويل مشاريع البنية التحتية في القارة الآسيوية حيث يمر طريق الحرير، غدا من الممكن القول، إن التعاون الصيني الإماراتي يتجه تدريجيًّا نحو أن يكون أنموذجًا يحتذى.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com