التفاوض ليس مهنة
التفاوض ليس مهنةالتفاوض ليس مهنة

التفاوض ليس مهنة

خيري منصور

تعددت أسماء وصفات المفاوضات "المتخثرة" لا الجارية بين السلطة الوطنية الفلسطينية ودولة الاحتلال، فهي تارة لعبة تنس بلا شبكة وتارة أخرى مونولوغ، أي حوار من طرف واحد، أما آخر هذه الأسماء فهو أن المفاوضات احتيال وقد أطلقه كاتب يهودي في صحيفة "يديعوت" هو شمعون شيفر .

لكن من يحتال على من؟ في هذه اللعبة الأشبه بحكاية إبريق الزيت في التراث الشعبي الفلسطيني، والحكاية لمن لا يعرفها هي أن من يتولى رواية الإبريق يواصل توجيه الأسئلة لمن يسمعه، من خلال بناء أو نمو دائري للحكاية بحيث تبقى مجرد وعد، أو عنوان ليس تحته شيء .

فالمفاوضات على هذا النحو المتقطع لا يتراكم فيها شيء، بحيث تكون العودة في كل مرة إلى أول السطر، بل إلى المربع الأول من صراع دام قرناً ولا تلوح له في الآفاق نهاية، ما دام الخلاف جذرياً وحول قضايا لا تقبل المساومة، منها الحدود وحقوق اللاجئين والقدس . يعاتب الكاتب رئيس الوزراء نتنياهو قائلاً له، أنت يهمك فقط أن تبقى حيث أنت وفي المرتفع الذي أصابك بزكام شديد وربما مزمن، ذلك ببساطة لأن مجرد القبول بالإفراج عن أسير فلسطيني واحد هو بمثابة تقديم فرصة جديدة لرجل خرج من السجن ليخطط للعنف .

هكذا يقف بعض الكتاب اليهود من أقصى اليمين في مكان سياسي وايديولوجي يرون من خلاله حتى نتنياهو معتدلاً رغم كل تطرفه وراديكاليته الصهيونية، أما صفة الاحتيال التي تلصق بعملية السلام برمتها فهي كما يرى هذا الكاتب تضمن للعاملين فيها البقاء على قيد وظائفهم وتؤمن لهم رحلات طيران مريحة وإقامة لا بأس بها في فنادق ما كانوا ليدخلوا إليها من غير هذا الباب، وهو باب التفاوض الدوار .

فهل تحول التفاوض بالفعل إلى مهنة؟ بحيث أصبحت الوسيلة غاية، ووجد العاملون في مجاله الدبلوماسي ضمانة ضد التقاعد المبكر أو العزل من مناصبهم؟

تلك أسئلة لا ينفرد بها كاتب أو صحيفة، بل تدور في العديد من الأذهان مادامت المفاوضات قد بلغت هذا المستوى من العقم وتبديد الوقت لمصلحة من يستثمر الاحتلال باستيطان لا يتوقف .

وبإمكان أي ناقد أدبي أو مؤرخ أن يرى في مسرحية عبثية من طراز "بانتظار غودو" لصاموئيل بيكيت شكلاً من أشكال هذا التفاوض، مادام الانتظار قد أصبح نهاية المطاف، وأن من سيأتي على خشبة المسرح سوف يفتح الستارة ليقول لمن ينتظرونه إنه لن يأتي .

ما من مفاوضات يمكن أن تمضي إلى نهاية منطقية، وتؤدي وظيفتها إذا كانت تصفيقاً بيد واحدة، ولعبة بلا شبكة ومجرد فرص عمل لمن حولوا التفاوض إلى مهنة .

(الخليج الإماراتية)

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com