يوم في حياتنا
يوم في حياتنايوم في حياتنا

يوم في حياتنا

خيري منصور


وليتخيل كل منا ما الذي يمكن ان ينجزه في يوم واحد ؟ وهل أيامه متشابهة كأسنان المشط أو انها تتبدل مع كل شروق شمس !


قد تكون المفاجأة لمثل هذه المحاولة هي اننا نعيش يوما واحدا فقط، لكنه متكرر بكل تفاصيله من الصباح الى الهزيع الأخير من الليل، واذا لم يتخلل اليوم مشوار في جاهة او جنازة فإنه سيكون بالضرورة نسخة كربونية من اليوم الذي سبقه واليوم الذي يليه .
ربما لهذا السبب لم يحاول كاتب عربي ان يكرر تجربة جويس او سولنجستين لأن قصته ستكون من ثلاثة سطور فقط، الا اذا اطلق لخياله العنان واخترع احداثا وتفاصيل ليست من الواقع في شيء . بالطبع هناك استثناءات لكنها تكرس القاعدة، فالحياة الراعفة والمفعمة بالحركة تتطلب عمقا اجتماعيا كما يتطلب الغوص مياها عميقة، خصوصا وان البعض كما يقال يغرقون في شبر ماء!.


ما اسمعه يوميا من العديد من المعارف والاصدقاء عن رتابة حياتهم وايامهم المتكررة لا يدهشني، لأنني ايضا اشاركهم هذه الشكوى، فلولا القراءة والكتابة لكان مجرد الاستيقاظ من النوم كي نعيش يوما آخر عبئا لا يطاق .


فلماذا اصبحت الحياة وهي اثمن ما منح الكائن على هذه الارض شيئا يمكن التفريط به بسفاهة ؟ ومن قالوا، ان الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك نسوا بضع حقائق منها ان هناك أزمنة يصبح فيها الوقت أرخص من الرّمل، لكن الندم يأتي بعد فوات الاوان، او هذا على الاقل ما قاله روائي عظيم هو كازانتزاكي حين سأل زوجته وهو في ذروة شيخوخته قائلا لها : ان اليونانيين يحبونه ويعبرون عن هذا الحب كلما التقى احدهم، فهل لو جلس على الرصيف وتسول من كل واحد منهم دقيقة فقط من عمره يلبون هذا المطلب؟.


لم يكن بحاجة لأن يسمع جوابا من زوجته فهي نفسها قد تتردد طويلا قبل التنازل عن دقيقة واحدة مما تبقى لها من عمر ! اما الشاعر البريطاني اليوت صاحب واحدة من اشهر قصائد عصرنا وهي الأرض الخراب، فقد تساءل :


أين هي الحياة التي اضعناها في العيش؟ فالحياة بالنسبة اليه ليست العيش، لأنها تعني الحرية وتجليات الروح، اما العيش فهو الضرورة واشباع الغرائز شأن الحيوان الذي لا يموت الا لحظة أن يموت لأنه بلا خيال ...


أتمنى أنْ نقرأ ذات يوم قصة حتى لو كانت من سطرين فقط عن حياتنا ليوم واحد فقط !

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com