مرشد الثورة يطرق الباب الخطأ!
مرشد الثورة يطرق الباب الخطأ!مرشد الثورة يطرق الباب الخطأ!

مرشد الثورة يطرق الباب الخطأ!

كل الأسباب التي قيل إنها تقف وراء مجيء اللواء حسين سلامي، فجأة، إلى قيادة الحرس الثوري الإيراني، بدلاً من اللواء محمد علي جعفري، تبدو متهافتة، ومتداعية الأركان، وغير مقنعة، كما أنها لا تنطلي على عقل، ولا تستند في لحظة الجد إلى منطق متماسك، رغم الدعاية الواسعة لها منذ صدر القرار على يد خامنئي، مرشد الثورة في إيران!

لقد قيل، مثلاً، إن القائد الجديد كان طول عمره على رأس أنصار خلق جبهة من جبهات المواجهة بين بلاده وبين إسرائيل، سواء كانت هذه المواجهة في سوريا، أو في لبنان، وقيل إن وجوده في موقع الرجل الثاني في الحرس بعد اللواء جعفري، لم يكن يمنحه هذه الفرصة، وإن قرار مجيئه المفاجئ يعطيه الفرصة التي طالما كان يحلم بها ويتمناها!

وقد يكون هذا السبب صحيحاً على المستوى النظري، فالسلطة في الجمهورية الإيرانية تواجه ظروفاً على المستوى الاقتصادي بالذات، لم يسبق أن واجهتها منذ قيام الثورة في فبراير (شباط) 1979، وهي ظروف راجعة في الجزء الأكبر منها إلى العقوبات المفروضة عليها من جانب الولايات المتحدة، ومن الطبيعي في مثل هذه الأجواء، أن تلجأ حكومة الملالي في طهران إلى الهروب للأمام، بافتعال معركة جانبية هنا في سوريا، أو معركة هناك في لبنان، لعل ذلك يخفف من ضغط الرأي العام عليها في الداخل.

ولكن تجربة أربعين سنة مضت، هي كل عُمر الثورة، كانت تقول ولا تزال، إن المواجهة مع تل أبيب لم تكن يوماً من بين أولويات حكم المرشد السابق الخميني، ولا المرشد الحالي خامنئي، وإذا حدث إن كانت من بين أولوياتهما، فإن ذلك كان نظرياً تماماً، وكنا نراه ونتابعه في صور عدة، وقد كانت كلها صوراً كلامية، تبدأ من عند الحديث وقت الضرورة عن أن إيران سوف تفعل كذا وكذا بإسرائيل، وتنتهي عند الكلام عن أشياء خيالية من نوع القضاء على العدو الإسرائيلي ومحوه من الوجود، وفي الحالتين كان الأمر لا يتعدى حدود الكلام المجرد، الذي يصفه أولاد البلد المصريون بخفة ظل في حياتهم اليومية فيقولون بأنه: كلام ليس عليه جمرك! والمعنى أنه مجاني لا يكلف قائله أي شيء!

ثم المعنى أيضاً أنه كلام يستهلك الوقت، ويقتله، ويبدده، ويدغدغ المشاعر لدى كثيرين من أصحاب النوايا الطيبة، الذين قد يصدقون كل ما يقال في هذا الإطار.

وإلا، فما هي حصيلة التلويح بذلك كله على مدى السنين الأربعين، في اتجاه مثل هذه المواجهة، وفي ميدان احتمالات وقوعها؟! لا شيء كما ترى ونرى، رغم أن الأرض الفلسطينية كانت محتلة طوال العقود الأربعة، ورغم أن إسرائيل كانت ولا تزال تقضم منها المزيد كل يوم، ورغم أن قضماً كهذا كان أجدى بأن يغري المتحدثين عن الذهاب إلى أي مواجهة، بالإقدام عليها فعلاً دون انتظار إذن من أحد، ولكنّ شيئاً من هذا لم يحدث ولن يحدث في الغالب الأعم.

فهي مواجهة تحتاج بطبيعتها إلى نية حقيقية، قبل أن تحتاج إلى أن يترجمها صاحبها إلى فعل على الأرض، وتحتاج إلى فعل نراه ونشعر منه بصدق نوايا الطرف الذي لا يتوقف عن الترويج لها كمواجهة، ثم له كفعل، ولهذا يتبين لنا أن مجيء سلامي إلى منصبه الحالي له أسبابه بالتأكيد، غير أن خلق مواجهة مع إسرائيل، ليس من بين هذه الأسباب فيما يظهر أمامنا من قراءة الواقع الذي عشناه ونعيشه.

والسؤال بالتالي هو: هل هناك سبب آخر يصلح لتفسير التغيير الذي طرأ على قيادة الحرس الثوري، دون مقدمات تنبئ به وتشير إليه؟! وهل يمكن القول بأن علاقة من نوع ما، تقوم بين التغيير الطارئ، وبين قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إدراج «الحرس» على قائمة المنظمات الإرهابية؟! أم أن التغيير راجع إلى إحساس لدى خامنئي بأن ولاء جعفري له، ليس هو الولاء الذي عاش يتوقعه ويريده؟!

هذه كلها تساؤلات بلا إجابة شافية، فالإيرانيون استيقظوا ذات يوم من أيام الأسبوع الماضي، ليجدوا أنفسهم أمام حقيقة تقول إن سلامي قد صعد مستقراً فوق رأس «الحرس»، وإنه قد أخذ خطوة إلى الأمام، وإن القائد السابق الذي كان أثيراً لدى المرشد إلى ما قبل تنحيته بساعات، قد خرج من الحلبة دون إشارة سابقة من أي نوع.

وليس خافياً على أحد من متابعي المشهد العالمي، ومعه المشهد الإيراني، أن تزامناً واضحاً قد ربط بين قرار مجيء القائد الجديد للحرس إلى موقعه، وبين قرار إدارة ترمب تصفير صادرات النفط الإيراني، بدءاً من أول هذا الشهر بغير فصال!

وقد تكون هناك صلة بين قرار التصفير، وبين قرار مجيء سلامي إلى المنصب، فالرجل قد يقع عليه جانب لا بأس به من مسؤولية تنفيذ التهديد الإيراني المستمر، بغلق مضيق هرمز أمام إمدادات البترول التي تخرج منه إلى أنحاء العالم.

ولكن... هل من الوارد فعلاً أن تذهب حكومة خامنئي إلى مثل هذا الإجراء، وتقوم بإغلاق مضيق هو على رأس الشرايين الاقتصادية الأهم، على خريطة نقل النفط والسلع من المنطقة وإليها؟! الأغلب أنها لن تستطيع لثلاثة أسباب؛ أولها أن هذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها بالإغلاق، ثم تتوقف عند حدود التهديد، ولا تتجاوزه، وثانيها أنها إذا أغلقت المضيق، فسوف تتسبب بمشكلات ضخمة لدول كبيرة في العالم، وليس للولايات المتحدة وحدها، باعتبارها خصمها السياسي الأول، ولا بد أنه ليس من الحكمة في شيء، في مثل الحالة الإيرانية الماثلة أمامنا، أن تسعى الحكومة في طهران إلى كسب الأعداء بدلاً من استمالة الأصدقاء في عواصم العالم. وثالث الأسباب أنها تعرف جيداً أن الإقدام على إغلاق المضيق من جانبها، سيجعلها في موقف مَنْ يعاقب نفسه، وهو يتصور أنه يُلحق الضرر بالآخرين، فبترولها يمر من هناك إلى مستورديه.

إذا كان الهدف من المجيء باللواء سلامي إلى مكانه، استعراض عضلاته على مرأى من الخصوم، فالحكومة الإيرانية تطرق الباب الخطأ، وتبعث بالرسالة إلى غير العنوان، لأن استعراضاً كهذا ليس مطلوباً لها هي، قبل أن يكون غير مطلوب في علاقتها مع الدول من حولها، وكل ما هو مطلوب منها أن تعود دولة طبيعية في محيطها، وأن تتوقف عن عبثها في أمن الدول الجارة، وأن تلتفت إلى أن عصر الثورة في طهران قد آن له أن يمضي، وأن عصر الدولة المسؤولة أولى بأن يحل في مكانه!

الشرق الأوسط

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com