معركة طرابلس واستعادة الدولة
معركة طرابلس واستعادة الدولةمعركة طرابلس واستعادة الدولة

معركة طرابلس واستعادة الدولة

إميل أمين

تبدو معركة طرابلس تقترب من الحسم، لا سيما بعد تمكن قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من استعادة السيطرة الكاملة على معسكر اليرموك، أكبر المعسكرات جنوب طرابلس واستنقاذه من أيدي الميليشيات التي تشيع الإرهاب في غرب البلاد منذ سنوات طوال.

لا تستعجل قوات الجيش الوطني الليبي تنفيذ عملياتها، بل تتبع سياسة النَفَس الطويل، وهي مزودة بأهم سلاح وأخطره يمكن لجيش حول العالم الاستعانة به؛ إنه سلاح اليقين بأن الإرهاب عَرَض زائل، وأن الأمن والاستقرار سوف يبسطان حضورهما، ويظللان الليبيين مهما طال الوقت.

على أنه من اللافت للنظر في هذا الإطار، ما يجري من قبل إدارة الغرب الليبي التي أضحت أمام تهديد مؤكد ينذر بانتهاء سطوتها على طرابلس، وهي تستعين بالمرتزقة والقوات الأجنبية، عطفاً على دفع مزيد من الإرهابيين من المعارضة التشادية في الجنوب الليبي الذين يدعمهم الإسلام السياسي إلى قلب المعركة في طرابلس، ناهيك باستغلالها الواضح والفاضح للمهاجرين واللاجئين وجعلهم وقوداً للمعركة... ماذا عن ذلك؟

ليس سراً خطورة الدورين القطري والتركي في إشعال أوار المعركة، واستمرار تصدير الإرهاب إلى الداخل الليبي، وربما كانت الأدلة غير واضحة من قبل، إلا أنها ومع اقتراب حسم معركة طرابلس بدأت تظهر إلى العلن، انطلاقاً من مبدأ «لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها»، بمعنى أنه لم يعد أمامها الكثير الذي تخسره، ولهذا تطفو على السطح مجاهرة.

قبل أيام نشرت القوات المسلحة الليبية مقاطع صوتية لمقاتلين أجانب يتحدثون الإنجليزية، مع مقاتلين ليبيين تدل لهجتهم عليهم، الأمر الذي يعد أحدث دليل على وجود دعم خارجي بالسلاح والعتاد والمرتزقة للجماعات المتطرفة، التي تقاتل الجيش الليبي في طرابلس.

التسجيل الصوتي والمرئي الأخير ليس الأول من نوعه، فقد أظهر المتحدث باسم قوات الجيش الليبي الوطني اللواء أحمد المسماري من قبل مقطعاً آخر مشابهاً يعزز فكرة الوجود الأجنبي على الأراضي الليبية، التي باتت ساحة مستباحة للعبة أمم جديدة، في نهايات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

عطفاً على ما تقدم، فإن كثيراً من التقارير الاستخباراتية باتت تقطع بأن هناك من يقود بنقل مقاتلين مرتزقة من جنوب ليبيا، والزج بهم في معركة طرابلس، هؤلاء تقف تركيا تحديداً وراء تصديرهم من سوريا مباشرة وبتمويل قطري لا يهدأ ولا يلين، ومن غير عميق البحث يدرك المرء أنهم بقايا الدواعش، الذين فتحت لهم تركيا حدودها في انتظار لمعركة إرهابية مقبلة، وها هي ليبيا في مخططهم الأرض المقبلة لنقل المعركة إلى العمق الأفريقي.

ما يجري في طرابلس هو معركة بالوكالة، خصوصاً مع ظهور أسلحة لا تمتلكها إلا دول وليس ميليشيات مرتزقة، فقد ظهرت في سماوات المعركة الأيام الماضية طائرات من دون طيار، أشار اللواء المسماري إلى أن تركيا سلمتها إلى ميليشيات مصراتة والجماعات الإرهابية في ليبيا، هدفها تصوير مواقع الجيش الوطني الليبي، وتزويد الإرهابيين على الأرض بمعلومات عن قواته.

فضيحة الميليشيات من حول طرابلس امتدت لتشملها تقارير منظمة «هيومان رايتس ووتش»، عبر إشارتها إلى تسخير مسلحين للاجئين والمهاجرين الذين تقع معسكراتهم في نواحي طرابلس للعب أدوار لوجيستية خدمية من صيانة مركبات، وزجهم في القتال ضد قوات الجيش الليبي، ونقل الأسلحة والذخائر إلى ميادين القتال.

بل أكثر من ذلك، يبدو أن تلك الميليشيات والمرتزقة تسعى معاً إلى إحداث جلبة كبرى، ومحاولة إلحاق الأذى الكبير بسمعة الجيش الوطني، وهذا ما شهد به أحد المحتجزين في مركز اعتقال بطريق السكة في طرابلس، إذ أشار إلى أن «بعض الميليشيات خزنوا الأسلحة والذخائر، بما فيها الصواريخ المحمولة على الأكتاف والقنابل اليدوية والرصاص قرب مكان إيواء المحتجزين، وأُجبر المحتجزون على المساعدة في نقلها».

هل تسعى تلك العناصر الميليشياوية من المرتزقة والإرهابيين إلى استخدام هؤلاء الأبرياء دروعاً بشرية؟ أم أنهم يعدونهم للذبح؟ بمعنى قصف ملاجئ الإيواء وإلصاق التهمة بالقوات المسلحة الليبية الشرعية، ولا يغيب عن الأعين ما يمكن أن يسببه هذا من تغيير وجهة نظر الرأي العام العالمي لمعركة طرابلس.

مهما يكن من أمر اللعب القطري - التركي على المتناقضات، فإنه قد بات واضحاً أمام أعين العالم، أن هناك هدفاً أبعد من ليبيا نفسها، ولهذا يناضل الطرفان على الفوز، إنه ذاك المتصل باختراق القارة الأفريقية، وترسيخ وجود «داعش» ومن لف لفه مرة أخرى، الأمر الذي يسهل حدوثه في ظل دول يكثر فيها الانفلات الأمني، وتسوء فيها الأوضاع الإنسانية.

الأجنبي والمرتزق لا يفيدان، سيفران من ساحة الوغى كالفئران، هذا ما حدث من قبل في سوريا والعراق، ويحدث في أرض سيناء، في مواجهة الجيوش الوطنية التي تؤمن بأن الأرض كالعرض، لا تفريط فيها.

الأمر الآخر الذي يجعل من حسم معركة طرابلس شأناً مقدراً في القريب جداً، هو أن هناك من يفهم جيداً أبعاد ما تقوم به تركيا وقطر من دعم للميليشيات والإرهابيين هناك، ما ترجم في تصريحات المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية لشؤون شمال أفريقيا تريش كانديس، من أن «الهدف الأساسي الذي ينبغي تحقيقه في ليبيا يتمثل في القضاء على جميع المجموعات الإرهابية، قصد تمكين الليبيين من توحيد صفوفهم وبناء دولة ديمقراطية».

الخلاصة... المرتزقة والأجنبي لا يفيدان.

الشرق الأوسط

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com