أفريقيا.. بين قطر وإيران
أفريقيا.. بين قطر وإيرانأفريقيا.. بين قطر وإيران

أفريقيا.. بين قطر وإيران

إميل أمين

من دون أدنى شك فإن الأنظار تتوجه إلى القارة الأفريقية لأسباب عديدة، منها أنها لا تزال قارة بكر، مليئة بالخيرات البشرية، والثروات الطبيعية، وغير خاف على أحد أن غالبية ما تحت باطن الأراضي الأفريقية لا يزال مطموراً، وأن العين تتطلع للسيطرة عليه، وذلك ضمن سياقات لعبة الشطرنج الإدراكية الأممية.

غير أن الصراع الحادث في أفريقيا، غير موصول فقط بالحجر، بل إن عماده الرئيس هو الاستيلاء على أدمغة البشر، والتلاعب بهم من منطلقات دوجمائية لا تخفى على أحد، وبخاصة في العقدين الأخيرين.

ما جرى في السودان في واقع الحال لفت انتباه الجميع إلى أدوار متباينة تقوم بها قطر وإيران، أما الأولى فهي الذراع المالي للإخوان المسلمين، فيما الثانية تمثل فكر الهيمنة والسيطرة، المتدثر بالرداء المذهبي تارة، والتي تخفي موروثات امبراطورية فارسية من جانب آخر.

فعلت قطر العجب العجاب مع النظام السوداني السابق، واستغلت كافة الأوراق المالية من أجل دعم مشروع الإخوان المسلمين هناك، غير أن إدراك السودانيين أذهل العالم، وعليه يشعر حكام الدوحة بالقلق الشديد في هذه الأوقات المصيرية.

أفريقيا بالنسبة لقطر أكبر من السودان، والذين يتابعون المشهد في ليبيا في الآونة الأخيرة يرون أن الدوحة تصرخ صباح مساء كل يوم، رافضة قيام الجيش الوطني الليبي بتطهير البلاد من الإرهابيين الذين تدعمهم قطر بالأسلحة والأموال والأنفس، غير أن السؤال الذي يطرح ذاته بذاته: «لماذا تفعل قطر ذلك في ليبيا؟

الجواب يقودنا إلى أن قطر لا تتوقف عند ليبيا، إنما تأخذ منها طريقاً ودرباً إلى مالي وتشاد، والنيجر، وغيرها من دول القارة السمراء، وهناك أكثر من قراءة في تحليل ما تقوم به.

الأولى أن قطر تحاول بناء امبراطورية نفطية، تتحكم من خلالها في أسواق الطاقة بالمنطقة، وقد أصيبت بذعر رهيب مؤخراً، سيما من جراء الاكتشافات الهائلة للغاز والنفط في الأراضي المصرية وفي قطاعات المياه الإقليمية لمصر على ساحل البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي جعل العالم برمته يتحدث عن مصر بوصفها مركزا مستقبليا للطاقة في المنطقة والعالم، وهناك تصريحات عديدة لمسؤولين قطريين بدءاً من تميم نفسه تشير إلى أن الدعم القطري لثورة ليبيا «الإخوانية»، كان من ضمن أهدافه، القفز على القرار الوطني والسيادي الليبي فيما يخص النفط بنوع خاص، وهو الأمر الذي تنبه له المشير خليفة حفتر، ضمن أمور كثيرة، ولهذا رفضه ويعمل جاهداً على تخليص البلاد والعباد من قبضة القطريين وإرهابهم.

الأمر الآخر أن هناك قوى دولية بعينها لا تغيب عن أعين المتابع المحقق والمدقق في الاستراتيجيات الدولية، تتلاعب بقطر عبر نافذة الإرهاب، ودعم الإرهابيين، كي يكون وجوده أداة لتبرير التدخلات العسكرية الكبرى، من قبل تلك الأطراف تحت ذريعة مطاردة فلول الإرهاب والقضاء على الإرهابيين.

يدرك القاصي والداني أن هناك صراعاً امبراطورياً على أفريقيا، ما بين الولايات المتحدة الأميركية، تلك التي أنشأت قوة تدخل وقيادة مركزية خاصة لأفريقيا «أفريكوم»، وبين الصين التي تنافس الأميركيين في الداخل الأفريقي بقوة المساهمة النقدية، فمن خلال فوائض ميزانيتها تسعى إلى تقديم قروض سائلة هائلة لا تقوى عليها أميركا التي تعاني من عجز في ميزانيتها، والتي تصل ديونها الخارجية إلى 21 تريليون دولار، نصيب الصين منها 3 تريليونات على الأقل.

هذه القروض تجعل الصينيين مرحباً بهم، سيما وأن ما يهمهم هو الحصول على المواد الخام من أفريقيا بأسعار زهيدة، ثم فتح الأسواق الأفريقية أمام الصادرات والبضائع الصينية، وبذلك تنقل بكين حربها التجارية مع واشنطن إلى موقع آخر حول العالم، وتضعف من فرص الوجود الأميركي.

أما العم سام، وبقية القوى الأوروبية التقليدية، فتسعى لاستخدام الإرهاب ومطاردته كخنجر في خاصرة كل من يفكر في منافستها على الأراضي الأفريقية.

ماذا عن إيران في أفريقيا؟

إنها قصة طويلة، مزدوجة الأوجه بالضبط كما الحال مع قطر، لكن يبقى مدخل إيران مختلفا، فهي تسعى لنشر المذهب الديني الخاص بها، والمعروف فلسفياً أن المنطلقات العقدية المطلقة عادة ما تكون كارثية، لأن المطلق لا يتعدد كما النسبي، ومن هنا فإنها تسعى لإزاحة الآخر المغاير مرة وإلى الأبد.

إيران تلعب عبر حرسها الثوري الإرهابي على الكثير من المتناقضات الدولية، ولا توفر مكايدة سياسية تجاه الولايات المتحدة الأميركية ونفوذها في أفريقيا بنوع خاص، وتستغل العوز إلى المعرفة، والأموال كأحصنة طروادة لها من أجل تحقيق أهدافها.

تحتاج أفريقيا في الوقت الراهن خطة جماعية من الدول العربية والإسلامية، خطة من جناحين: مالية وفكرية، وقد أحسنت مصر الأيام القليلة الماضية حين وفرت فرصة تعليمية رائدة لنحو 17 إماماً أفريقياً، تخرجوا في جامعاتها ليعودوا إلى أفريقيا عقب تدريبهم على مواجهة التطرف والأفكار المتشددة.

الخلاصة.. قطر وإيران جناحا طائر شر لن يطول به التحليق في السماوات الأفريقية.

الاتحاد

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com