نتنياهو يفضح كل نواياه لكي يستمر سياسيًّا
نتنياهو يفضح كل نواياه لكي يستمر سياسيًّانتنياهو يفضح كل نواياه لكي يستمر سياسيًّا

نتنياهو يفضح كل نواياه لكي يستمر سياسيًّا

عدلي صادق

بعد عشر سنين من الحُكم المتواصل، سبقتها ثلاث سنين من العام 1996 إلى 1999؛ وجد بنيامين نتنياهو نفسه، متحررا من كل اضطرار للتمويه عن مقاصده، على النحو الذي لا يرضى عنه ناخبوه ولا تتقبلها بيئته السياسية. تراه يعلن عن قناعته بضرورة البدء في خطوات ضم الضفة المحتلة وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، أثناء ولايته الجديدة التي يتوقعها.

تلقى جمهوره الأصولي العنصري المتطرف، وعده هذا، مدركا أن الرجل لم يعد يملك ترف المناورة، وليس له، هو تحديدا، أن يبقى على قيد الحياة السياسية، من غير هذا الوعد. جمهوره المتطرف يعرف أن توقيت مثل هذا الإعلان، جاء في لحظة قلقه على مصيره السياسي، وهي نفسها لحظة الإحساس بأن الأفعال نفسها لا تكفي لإقناع الناخبين من بيئته، أنه منذ العام 1996 لم يتخلَّ عن هدف قتل العملية السلمية، وإن كان مضطرا لعدم المجاهرة بغير ذلك تحاشيا لاستفزاز المجتمع الدولي.

أما في حقيقة الأمر بالنسبة له، كمفوض من حزب “الليكود”، فلم يكن نتنياهو منذ البداية راضيا عن سطر واحد، من اتفاق أوسلو لإعلان المبادئ مع الفلسطينيين، برعاية أميركية ودولية. وقد ظل طوال السنوات التي أمضاها في الحكم، يحافظ على ولاء جمهوره من خلال مواقف الترضية اليومية له، وفي معظمها كانت مشحونة بالتطرف الذي يضاهي تطرف ناخبيه، كمن يقول إن على الفهيم أن يفهم، وإن لدينا التزامات ناشئة عن ضرورة مراعاة علاقات دولية قديمة، كما مشروع بناء علاقة إقليمية جديدة، فضلا عن ضرورات الأخذ بالحد الأدنى من التزامات الدولة، لكن ظهور العامل الذي يمثله الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أعفاه وأعفى “الليكود” ومن هم على يمينه؛ من مشقة التصنع والتماشي بالحد الأدنى مع اللغة السياسية السائدة على المسرح الدولي.

بل إن إعلان ترامب اعترافه بإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، كان في أهم معانيه رسالة إلى إسرائيل بأن في مقدورها أن تفعل ما تشاء، وأن تخطو في اتجاه الضم، ولها أن تقدر حجم الخطوات التي تريدها في كل مرحلة. ففي هذه الحال تتكفل الولايات المتحدة وربما جزء معتبر من الغرب، بحماية إسرائيل من ارتدادات التطرف وضم الأراضي المحتلة بقوة السلاح، والتعاطي مع أي نوع من المقاومة باعتباره إرهابا، وسيكون مثل هذا التعاطي سلسا، طالما أن رئاسة السلطة الفلسطينية نفسها التي تبتلع إسرائيل أراضيها، تصف أي ردود أفعال عنيفة في المقاومة، بكونها إرهابا.

خلال الأسبوع الأخير قبل الانتخابات الإسرائيلية العامة التي تُجرى اليوم، صرح نتنياهو ثلاث مرات على الأقل، باحتمالية فرض السيادة الإسرائيلية على المناطق المحتلة. كان يتحدث لمناخاته الحزبية وفي عرينه، ويُدلي بالتصريحات لوسائل إعلام البيئة نفسها التي ستتلقى منه الوعود دون أن تناقشه في أي نقطة!

هو، من جانبه، كان حتى الساعات الأخيرة يتوخى المزيد من الدعم، بعد أن تفاءل وارتفعت أسهمه في الأسبوع الأخير. وباعتباره يعلم أن عودته إلى رئاسة الحكومة مشروطة ببعض النسب والأرقام، وأهمها أن يكون الإقبال على العملية الانتخابية أكثر من النسبة التي أفرزتها نتائج الاستطلاعات، لذا وجد نفسه مضطرا إلى إفشاء بعض الأسرار، من بينها أنه الذي يرعى الانقسام الفلسطيني الذي تريده إسرائيل لكي تدمر به عافية الشعب الفلسطيني. ثم ألقى بورقة وعود الضم وفرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، في تجرؤ آخر على القرارات الأممية وتقاليد العلاقات الدولية.

جاءت اندفاعة التصريحات بهذه الشاكلة، على خلفية الفتور حيال الانتخابات الذي لوحظ لدى جزء من جمهور اليمين بسبب ملفات فساد نتنياهو والمتابعات القضائية. وكيف يمكن له أن يحثّ جمهوره على الإقبال وتجاوز حال الفتور، إن لم يتحدث بصراحة عن الضم؟ فالمطلوب أن تتجاوز نسبة التصويت العامة الـ70 بالمئة، وأن تتمكن جميع الأحزاب الصغيرة الأشد تطرفا التي سيأتلف معها “الليكود” من عبور نسبة الحسم. فهي لن تعبر كلها، إذا كان الإقبال أدنى من 70 بالمئة. وفوق هذين الشرطين، هناك شرط ثالث وهو أن يحصل “الليكود” على أكثر من 33 مقعدا، علما بأن الاستطلاعات أعطته في أقصاها مثل هذا الرقم، لكنها أعطته في أدناها 28 مقعدا.

اضطر نتنياهو في خضم هذه اللعبة الانتخابية، إلى العودة إلى أصوله، وإلى محددات مواقفه التي اضطر لإخفائها لزوم عمله في موقع المسؤولية السياسية الأولى في إسرائيل. وكان الرجل سجّل كل قناعاته في الكتاب الذي نشره عام 1993 أي قبل أن يتسلم أي مسؤولية، وكان بعنوان “مكان بين الأمم” أو “مكان تحت الشمس” في الترجمة العربية.

ففي ذلك الكتاب ينكر نتنياهو جميع عناصر القضية الفلسطينية، بل ينكر براهينها القائمة على الأرض وتجسدها مخيمات اللجوء ووثائق ملكية الأراضي والبيوت وحقائق التاريخ والأدبيات العبرية نفسها، ويقول إن قضية اللاجئين الفلسطينيين ليست إلا من صنع عربي، وأن العرب هم الذين أوجدوا هوية فلسطينية جديدة، وخلقوا بالأكاذيب شعبا جديدا مختلفا هو “الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة”، ويطرح في هذا السياق موقفه الواضح الذي لا نقاش فيه، بأَن لا سلام مع العرب، إلا وفق الشروط الإسرائيلية، ويطنب بالحديث عن حق اليهود في أرض إسرائيل، وحقوقهم التي كفلها لهم وعد بلفور وقرارات مؤتمر فرساي وقرار الانتداب الصادر عن عصبة الأمم. وعندما تحدث نتنياهو في كتابه التسوية، أشار إلى أن الحكم الذاتي الذي بدأت به العملية السلمية في السنة نفسها التي صدر فيها الكتاب “سيكون أقل من دولة وبلا سيادة ومنزوع السلاح”.

كانت تلك المواقف، في الواقع، هي مرجعية السياسات العملية التي اعتمدها نتنياهو على الأرض طوال سنوات حكمه، وهذا الذي اضطره للإفصاح عن نواياه، في لحظة اهتزاز قناعته بالفوز على خصوم أقوياء. ولعل ما ساعده على المصارحة الوقحة أنه اليوم يجد من يؤنسه، ممثلا في إدارة رئيس الدولة الأعظم، التي يُفترض أنها ترعى العملية السلمية المتوازنة، الكفيلة وحدها بإطفاء جذوة الصراع وتحقيق الاستقرار.

لعل أهم ما تنبغي الإشارة إليه في ختام هذه السطور، أن الحكومات العربية، في حال غياب نتنياهو أو في حال استمرار حضوره، ستكون مضطرة لتفعيل عملية دبلوماسية حيال الولايات المتحدة، غير مقطوعة الصلة بالمصالح وتفصيلاتها، لكي لا يقع العالم العربي كله، تحت إملاءات نتنياهو الذي يتظاهر بالوداد، بينما هو شديد البغضاء للعرب، مثلما أوضح في كتابه. وليس أدل على وجوب اعتماد هذه الوجهة مما حدث منذ فبراير 2018 عندما أعلن نتنياهو بأنه يناقش مع إدارة ترامب خطة لضم الضفة وفرض السيادة الإسرائيلية عليها. قال وقتها ويمكن أن يكون ما قاله صحيحا “باستطاعتي التأكيد على أنني أدير حوارا مع الأميركيين يتعلق بضم يهودا والسامرة، بقانون ينبغي أن يمر كمبادرة حكومية وليست شخصية، باعتباره عملية تاريخية”. وأردف قائلا “إن التنسيق سيكون مع الأميركيين الذين تُعد العلاقة معهم ذخرا استراتيجيا لدولة إسرائيل وللاستيطان”.

في ذلك الوقت كانت إدارة ترامب بصدد تثبيت معادلات علاقاتها مع العالم العربي، ما جعلها تضطر إلى تكذيب نتنياهو وإنكار ما قاله، لذا صرح ناطق باسم الإدارة الأميركية “التقارير التي تفيد بأن أميركا تناقش مع إسرائيل خططا لضم الضفة الغربية هي كاذبة. الولايات المتحدة وإسرائيل لم تناقشا في أي يوم اقتراحا كهذا”.

وفي أعقاب التنصل الحاد ذاك، سارع نتنياهو إلى تغيير روايته وقال إنه بالإجمال “أبلغ الأميركيين بآخر التطورات بشأن المبادرات التي يتم طرحها في الكنيست”.

حركة السياسة لا تزال جارية، وغدا يتوجب على الجميع أن يعلم كيف يكون التصرف الصحيح مع نتنياهو في حال فوزه، أو ماذا سيكون التصرف مع الذين أتوا بعده، ولا تخلو برامجهم من التطرف!

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com