في خلفيات تأييد ترامب ضم الجولان ومحاذاته
في خلفيات تأييد ترامب ضم الجولان ومحاذاتهفي خلفيات تأييد ترامب ضم الجولان ومحاذاته

في خلفيات تأييد ترامب ضم الجولان ومحاذاته

عدلي صادق

من الطبيعي أن ينظر المعلقون من زوايا عديدة، إلى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اعترافه ببسط السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، في مشهد استعراضي متلفز وبصحبته بنيامين نتنياهو. فمن حيث الشكل، يمكن اعتبار طريقة التوقيع على قرار التأييد أو الاعتراف، إحدى غرائب الرجل القابع في البيت الأبيض. فلم يسبق في التاريخ، أن وُضع قرار أو موقف، في ملف يشبه ملفات الاتفاقيات والمعاهدات، ثم جرت عملية التوقيع عليه بحضور عدد من رجال الدولة. إن هذا هو ما فعله ترامب ثم سلّم القلم المستخدم في الإمضاء، إلى بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة المستفيدة من القرار، لكي يحتفظ به كتذكار لعمل تاريخي!

في واقع الأمر، لم يكن الملـمح الاستعراضي الذي يتسم بفظاظة استنكرها العالم، يؤسس لشيء جديد، ذلك لأن قرار ضم إسرائيل لهضبة الجولان أعلنه رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن في منتصف شهر ديسمبر 1981 وكان إلى جانبه المتطرف إرييل شارون كوزير للجيش. فما فعله ترامب محض قرار تأييد، غير مسبوق دوليا، من رجل يجاري إسرائيل وحكومتها اليمينية في كل ما تفعل، بل في كل موقف حتى ولو كان ضد الولايات المتحدة نفسها. معنى ذلك أن القرار على صعيد السياسة الخارجية الأميركية الآن، هو مجرد تحصيل حاصل، أما توقيت عرض هذا المشهد المسرحي، فإنه يتصل بالعديد من الاعتبارات والوقائع، في طليعتها الوضع الراهن في سوريا، وترتيبات ما بعد الحرب!

أول هذه الاعتبارات، هو حرص ترامب على إلحاق الإهانة بالنظام السوري بسبب إصراره على الصلة الوُثقى مع إيران، في الوقت الذي يسعى فيه الروس إلى تثبيت دعائم النظام بمساعدة إسرائيل نفسها. فقد ظهرت مبكرا انعكاسات هذا المسعى الروسي، في تصريحات إسرائيلية علنية، بلسان نتنياهو وأفيغدور ليبرمان اللذيْن عبرا عن الامتنان لنظام عائلة الأسد، وقالا إن لديهم تجربة على مر 40 سنة، لم تُطلق عليهم خلالها رصاصة من الجولان. وقال نتنياهو صيف العام الماضي “إن إسرائيل حافظت على حريتها في العمل ضد أي جهة تعمل ضدها”. بل إن ليبرمان، عندما كان وزيرا للجيش، أعلن صراحة أن “الجبهة السورية ستكون هادئة، في حال استعاد الأسد سيطرته الكاملة على الحكم في سوريا”!

وثاني هذه الاعتبارات، أن نتنياهو الذي يواجه استحقاقا انتخابيا تشير كل الدلائل إلى أنه الخاسر فيها، وجد نفسه مدفوعا إلى الاستعانة بدونالد ترامب، وأغلب الظن أنه استثار الرئيس الأميركي بالشيء الذي يثيره فعلا بالتركيز على تحالف دمشق مع طهران التي جعلها ترامب مقصدا وهدفا لهجماته على صعيد السياسة الخارجية. ومن الطبيعي أن يكون نتنياهو، الملاحق في اتهامات تتعلق بفساد الذمة، معنيا بتسجيل نجاح معنوي أمام جمهور الليكود، باعتباره رئيس الحكومة الذي أحيا قرار مؤسس الحزب مناحيم بيغن ضم الجولان السوري المحتل قبل 38 عاما.

وتكمن المأثرة في حقيقة أن الجولان، كان بعد إعلان ضمه، موضوع مفاوضات سورية-إسرائيلية جرت على أساس مبدأ الانسحاب منه، وأبرز هذه المفاوضات جرت برعاية الولايات المتحدة (في شبردزتاون مطلع سنة 2000 بين فاروق الشرع وإيهود باراك) ثم برعاية تركيا (مفاوضات أنقرة غير المباشرة في مايو 2008 بين رياض الداودي، المستشار القانوني في وزارة الخارجية السورية، ويورام توربوفيتز كبير مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت) وقد تم الاتفاق على 80 بالمئة من المسائل ونقاط التفاوض والخرائط، وكان الاختلاف الذي أحبط الاتفاق يتعلق بشريط حدودي بمحاذاة شمالي بحيرة طبريا، وبالمدّة الزمنية لتفكيك ما سيُتفق على إخلائه من مستوطنات إسرائيلية في الجولان، بين 15 سنة تطلبها إسرائيل، و10 سنوات تعتبرها دمشق كافية، فضلا عن مطالب إسرائيلية تتعلق بخارطة جديدة لانتشار الجيش السوري ينسحب بموجبها إلى ما وراء العاصمة دمشق!

حكومة إسرائيل لم تكتف من النظام السوري بعدم زعزعة استقرار الحدود على هضبة الجولان. فقد أصبح هذا الأمر بالنسبة لها أمرا مفروغا منه، لأن النظام الذي لم يعكر صفو الجبهة مع إسرائيل وهو في ذروة جبروته، لن يستطيع أن يعكرها في ذروة ضعفه. لذا كان نتنياهو حريصا على رفع قيمة المكافأة على حساب سوريا، فطلب مساندة ترامب لكي يصنع مأثرته أمام الليكود والأحزاب المتطرفة التي تتربص به.

بقي القول، إن إسرائيل وبدعم أميركي، كانت سباقة إلى الاستفادة من مأزق النظام في سوريا، لكي تتقدم خطوة على طريق أطماعها في الأرض وفي المياه. فقد كان إعلان إسرائيل ضم الجولان في منتصف ديسمبر 1981 هو الجواب الإسرائيلي على تورط النظام في اقتراف العديد من المجازر في المدن والقرى والسجون، والتهيؤ لأخرى بعد إعلان الضم. ذلك بمعنى أن الحروب التي شنها النظام على معارضيه في الداخل، أثرت سلبا على مستقبل البلاد وكانت من بين الأسباب التي جعلت إسرائيل تتجرأ على إعلان الضم وتتمسك به. وفي الفترات التي ساد فيها الهدوء في الداخل السوري، جرت مفاوضات في الولايات المتحدة وتركيا وسويسرا أيضا، على مبدأ الانسحاب من الأراضي السورية.

لعل إعلان ترامب عن اعتراف الولايات المتحدة بضم إسرائيل هضبة الجولان، يختبر فاعلية الدور الروسي في المنطقة. فليس خافيا أن الدور الروسي يفقد قدرته على التأثير في التطورات كلما كانت إسرائيل ذات صلة بها. وليست هناك دلائل حتى الآن على أن موسكو يمكن أن تقابل التأييد الأميركي لأراض عربية محتلة، برفع مستوى المساندة العسكرية لسوريا. فلهذه المساندة سقفها المتفق عليه وهو أقصى ما تتكيف معه إسرائيل. ثم إن تطلع الروس إلى كبح جماح السياسة الأميركية، لا يزال قاصرا على خطوات بعيدة عن الاحتكاك المباشر بالأميركيين، وربما ينحصر في توسيع هامش حركة الإيرانيين وليس تضييق هوامش حركة الإسرائيليين.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com