بين الأمل والألم في العام الماضي 2013
بين الأمل والألم في العام الماضي 2013بين الأمل والألم في العام الماضي 2013

بين الأمل والألم في العام الماضي 2013

يحتاج تحليل وقائع وأحداث العام المنصرم 2013 في مصر، إلى مجلدات للفهم الصحيح والتحقيق الدقيق، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، حتى تتضح الأمور على حقيقتها وتنجلي الرؤية، ويختفي التصنيف الحاد للمواطنين، خصوصا الذي يصنف الناس صنفين، صنف للجنة وصنف للنار، وكأن هناك بعض البشر في القرن الواحد والعشرين لديهم مفاتيح الدار الآخرة.

بدأت أحداث العام المنصرم تحت حكم الرئيس المعزول مرسي، باشتباكات عنيفة بين الأمن والمتظاهرين، في الاحتفالات بثورة 25 يناير، وظهرت فجأة حركة ‘البلاك بلوك’ التي اختفت تماما والحمد لله بعد أن صنفها النائب العام في عهد مرسي جماعة إرهابية منظمة. شاهدنا أيضا جلسات الحوار الوطني الثماني الفاشلة التي دعا اليها واحتضنها مرسي، ورفضتها المعارضة بقيادة الإنقاذ، ولم تصل الى نتائج إيجابية، ولم تتمكن من تصفية الأجواء السياسية أو تنقيتها للمصالحة الوطنية.

كانت المفاجأة الاكبر في مصر سنة 2013، ظهور حركة ‘تمرد’ والإعلان عن برنامجها في 26/ 4/2013 والسعي لجمع أكثر من 20 مليون توقيع، لسحب الثقة من الرئيس المعزول. كان ذلك في غضون شهرين فقط، تلاه ثورة 30 يونيو العظيمة التي قرأها الاسلاميون، في أواخر حزيران/ يونيو، بقيادة الاخوان وهم في الحكم، زوبعة في فنجان ثم فوتو شوب، بعد أن خرج أكثر من 30 مليون مواطن أو ثائر أو كاره، يطالبون مرسي بالرحيل وينادون بسقوط المرشد.

لم يستجب مرسي قبل ذلك لطلبات المعارضة التي تلخصت في أمرين مهمين، غير إقالة النائب العام طلعت عبد الله، أحدهما تعديل وزاري كامل، فعمد مرسي إلى تعديل بسيط في 7 ايار/مايو لم يعجب المعارضة، فنادت بانتخابات رئاسية مبكرة، ولما لم يستجب مرسي ولا الاخوان كانت الكارثة الكبرى نتيجة التصلب في الحكم والاستهانة بمطالب قطاع عريض من الشعب بعد أن تغيرت حالة المعارضة من معارضة سياسية تقودها النخبة ليس لها قاعدة شعبية كبيرة، إلى حركة ‘تمرد’ الشبابية الشعبية، تلك التي لم تستطع حركة ‘تجرد’ التي اسسها الاسلاميون بقيادة عاصم عبد الماجد، أقول لم تستطع ‘تجرد’ أن تمحو آثار حركة ‘تمرد’ أو تقهرها شعبيا، كما زعموا من قبل، رغم أن ‘تجرد’ نزلت الى الشارع يوم 28 يونيو، ووعدت بسحق ‘تمرد’ كاملا يوم 30 يونيو.

في عهد مرسي، كان التوتر والعنف في مصر، خاصة في سيناء قائما مشهودا، وكان تغول الارهابيين والتكفريين بالغا، لا يجد ردا فاعلا ولا علاجا شافيا، فقتلوا الجنود حتى في رمضان عند الإفطار، وخطفوا 7 من الجنود في مايو، أي في أواخر عهد مرسي. فتن وعمليات إرهابية لم يواجهها الاسلاميون، ثم جرى الافراج عن المخطوفين بعد أسبوع تقريبا من اختطافهم، جاء الافراج عنهم بطريقة شبه مسرحية. كانت الصدمة التي تلقاها الشعب في ضوء الاختطاف، حيث طالب الرئيس المعزول رجال الجيش والشرطة بأن يحافظوا على ارواح المخطوفين والخاطفين، مما اعتبرته المعارضة تواطؤاً مع الارهابيين في سيناء.

هذه القراءة أو التحليل يجري في ضوء تتابع بعض أهم الأحداث والوقائع، ولو جرى في إطار الأهمية والخطورة لاختلف التتابع واختلفت الاولويات والتراتبية.

كان 30 يونيو يوما فاصلا في تاريخ مصر والاخوان بصفة خاصة، حيث هتفت المعارضة التي تقودها ‘تمرد’ بمشاركة الانقاذ ‘الشعب يريد إسقاط النظام’. كانت قراءة الاخوان للمشهد كله غير دقيقة، ومن ثم كانت التصرفات والسلوك، حيث تم رفض المهلة التي اقترحها الفريق السيسي مرتين، أسبوعا كمهلة أولى، ثم 48 ساعة كمهلة ثانية وأخيرة.

حل يوم 3 تموز/يوليو كئيبا للاسلاميين وبداية فترة جديدة للمعارضة، حيث تم عزل الرئيس مرسي واحتجازه في مكان غير معلوم للشعب، كما تم الاعلان عن خارطة طريق جديدة بحضور شيخ الأزهر والبابا وبعض السياسيين. قبل ذلك بأسبوعين تقريبا وفي منتصف يونيو عقدت الرئاسة تحت حكم مرسي مؤتمرين، أحدهما مؤتمر موقف علماء الأمة من الثورة السورية يوم الخميس 13 يونيو، والثاني بعده بثلاثة أيام بعنوان ‘مؤتمر الأمة المصرية لدعم الثورة السورية’ يوم الاحد 16 يونيو، تم فيه قطع العلاقات مع سوريا وطرد السفير السوري وسحب السفير المصري، وتم فيه الهجوم على حزب الله وإيران وإثارة الفتنة الطائفية (السنة والشيعة) وهتف المتشددون حتى كلَّت حناجرهم، ودعا بعضهم على من يحتشد في 30 يونيو دعاءهم على الكفار والمشركين والمنافقين، وقد تكون تلك المناسبة أكبر إنذار للقوات المسلحة بأن مصر قد تدخل في صراع، من الاوفق ألا تدخل فيه، وألا تقع في نفس الشرك الذي وقعت فيه تركيا، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه الى تقدير الامور حق قدرها ومعرفة كيفية التغيير، والوضع السوري اليوم وتراجع أمريكا عن الضربة العسكرية ، يوضح ما أعنيه هنا تماما.

جاء الاعلان عن خارطة الطريق، مع تعطيل الدستور وتعيين رئيس مؤقت للبلاد رئيس المحكمة الدستورية العليا لملء الفراغ القائم.

من الأحداث والوقائع المهمة والمؤلمة، كان الاعتصام المفتوح في كل من رابعة والنهضة لمدة 47 يوما بقيادة ‘التحالف من أجل الشرعية’، للمطالبة بعودة مرسي للحكم، وقد حملت المنصة تهديدات لا مثيل لها لكل المعارضة، بما في ذلك الجيش والشرطة والقضاء والاعلام. وقد حملت بعض الكلمات خروجا واضحا على السلمية والوسطية، خصوصا من قبيل ‘ قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار’ ، وكذلك ‘أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها’ للمتشدد عاصم عبد الماجد، كما حملت كلمات مثل ‘سيسحقون’ لطارق الزمر.

كما شاهدنا هناك تشددا وتحفيزا للمعتصمين، وكأننا ذاهبون الى حرب مع الاسرائيليين أو الكفار أو المحتلين لبلادنا. وكان أخطر ما في رابعة الأحلام والرؤى التي أكدت عودة الرئيس مرسي، رغم ما يقوله الامام البنا في رسالة التعاليم من أن الرؤى والاحلام ليست من أدلة الأحكام الشرعية.

فوجئت مصر والعالم فجر يوم 14 آب/أغسطس بعملية فض الاعتصامين التي قضى فيها المئات، بعد أن رفض التحالف من أجل الشرعية بقيادة الاخوان الانصات الى النصائح التي تدعوهم الى الانصراف بسلام، حتى قبل دقائق قليلة من عملية فض الاعتصامين. طبعا كان ذلك تحسباً لنتائج القول المأثور، ‘معظم النار من مستصغر الشرر’.

شهد يوم 23 ايلول/سبتمبر حدثا مهماً ، حيث أكدت المحكمــــة في حكمها حظر جماعة الاخوان المسلمــــين ومصـــــادرة أموالــــهم، وحظر جمعية الاخوان المسلمين التي كان قد حصل الاخوان على تصريح بها في غضون ثمان وأربعين ساعة فقط من تقدمهم الى وزارة الضمان الاجتماعي بطلب الترخيص الذي يستغرق عادة وفي أحسن الأحوال ستين يوما. نقطة جارحة للعدالة والمساواة.

أعلنت أمريكا بعد أحـــــداث 30 يونيو، وإثر حظر الاخوان وقف بعض مساعداتها لمصر، وأوفدت الــعديد من كبار المبعوثين برسائل أشبه الى التهديد منها الى التفاهـــــم، للافراج عن مرسي والاخوان وإعادة نشاطهم، ورد أموالـــــهم التي صــــودرت، ولكن مصر لم تقبل هذا ولا ذاك، وبدأت اللقاءات المصرية الروسية على أعلى المستويات، رداً على الهيمنة الامريكية والتسلط الامريكي.

أخلت المحكمة خلال تلك المدة سبيل مبارك، ولكنه بقي قيد الاقامة الجبرية لاعادة المحاكمة في 11 كانون الثاني/يناير 2014. رأينا بعد ذلك الرئيس المعزول في القفص حيث يحاكم بتهم عديدة من أهمها الهروب من سجن وادي النطرون وما صاحبه من قتل ودمار أثناء ثورة 25 يناير، ومنها تهمة قتل المتظاهرين وتهمة التخابر مع منظمات أجنبية. أصبح في مصر رئيسان في القفص في أقل من ثلاث سنوات.

من أهم الاحداث والوقائع التي شهدها عام 2013، تكوين لجنة الخمسين للتعديلات الدستورية، وإنجاز مشروع الدستور الجديد، بما أدخل عليه من تعديلات وإضافات وحذف، وتم تقديم الدستور الى الرئاسة بعد إتمام العمل المطلوب فيه يوم 3 كانون الاول/ديسمبر بعد ستين يوم عمل، وتم تحديد موعد الاستفتاء على الدستور في يومي 14 و15 يناير 2014.

هناك من قام بتوزيع نسخ من الدستور مزورة أو غير كاملة أو غير نهائية، إما للكسب المادي أو للتضليل. ومن أهم التهم التي وجهت الى مشروع الدستور الجديد، أنه ضد الهوية وضد الدين. وهذه التهم تدحضها المادة (2) التي تنص على أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية هي اللغة الرسمية، ومبادئ الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. والديباجة التي جاء فيها أن المرجع في تفسير مبادئ الشريعة هو ما تضمنته مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا. وتدحض تلك التهم أيضا المادة رقم (1) التي تنص على: ‘جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون. الشعب المصري جزء من الامة العربية يعمل على تكامل وحدتها، ومصر جزء من العالم الاسلامي تنتمى الى القارة الافريقية، وتعتز بامتدادها الاسيوي، وتسهم في بناء الحضارة الانسانية’.

وأيضا المادة (10) التي تؤكد أن ‘الاسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والاخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها’.

لم ينس المتشددون والارهابيون، أن يقوموا بتفجيرات إجرامية حتى ضد مديرية الأمن بالدقهلية في 24 ديسمبر 2013، ومبنى الاستخبارات الحربية في أنشاص بالشرقية في 27 ديسمبر 2013، فضلا عن استمرار الحرب على الإرهاب في سيناء، ومواجهة المظاهرات العنيفة للطلاب في الجامعات.

لم ينصرم العام البئيس بأحداثه المؤلمة، إلا وقد تم تصنيف الاخوان جماعة إرهابية بقرار حكومي يوم 25 ديسمبر 2013. وكم تمنيت كما تمنى غيري، ألا تصل الامور الى هذه النهاية مع الاخوان أو غيرهم، حتى لا تصنف مصر كدولة تعانى من الإرهاب، وقد يصل الامر بمن يكيدون لمصر أن يروجوا أنها عاجزة عن مواجهته. كان هذا هو السيناريو الثالث الذي توقعته في اذار/مارس 2013 ، الذي قد يؤدي في نظري الى تدخل اجنبي، خصوصا ان امريكا فوجئت بثورة 30 يونيو 2013، كما فوجئت من قبل بثورة 25 يناير 2011، كما فوجئت بعزل مرسي، ولم يكن لها في ذلك يد، على خلاف تنحي مبارك. وبذلت امريكا ولا تزال جهدا كبيرا ولكنها لاتزال تتخبط في تفهم الاوضاع في مصر والتعامل معها، بما يضمن مصالحها وأمن إسرائيل وفق إستراتيجياتها المعروفة.

يؤسفني أن أقول ان الجسر الذي يربط بين السنتين 2013، 2014 يتمثل في المظاهرات العنيفة المستمرة، خصوصا بين الطلاب، والتفجيرات بما فيها من تدمير، واستمرار الحرب على الإرهاب في سيناء. ويظل الأمل والسؤال قائما: هل يخفف الحوار الوطني المستمر عن خارطة الطريق، وكذا الاستفتاء ثم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، من حدة العنف والارهاب؟ نأمل أن يظل الأمل ويختفي الألم، وأن تضع مصر طريقا للخروج من المأزق بالكامل، وليس فقط للاستفتاء على الدستور أو إكمال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بسلام.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com