قصر أنقرة
قصر أنقرةقصر أنقرة

قصر أنقرة

سمير عطا الله


لم تترك الإمبراطورية العثمانية في ولاياتها السابقة الكثير من الآثار العمرانية كما تدل 4 قرون من حكم لبنان.. لا مستشفيات تذكر ولا جامعات ولا طرقات. ولكن تركوا لنا، مشكورين، مبنى رئاسة الحكومة. والسراي، أو دار الحكم، هوى تركي عديم قديم لم يزد عليه أتاتورك سوى المساحات.


هل القصور الهائلة الحجم دلالة على ازدهار الأمم ومكانة الزعماء في تاريخها؟ أجل. كانت هكذا في الماضي. لكن بعض الحكام فضّلوا على ذلك بناء المدن. لذلك، فإن أشهر معماري في تاريخ فرنسا اليوم هو البارون هوسمان، الذي كلفه نابليون الثالث بناء جمال باريس وجاداتها وبعض حداثتها. وكان هوسمان قبل ذلك قد جمّل مدنا فرنسية أخرى، بوصفه عضوا في بلدياتها.


لم يبنِ هوسمان المدن الجميلة فقط، بل بنى، خصوصا، السمعة السياسية للإمبراطور الذي كلفه مهمة أخرى: نظم لي جولة في مدن فرنسا لكي أعرف من مشاعر الناس إن كنت أستحق أن أعلن نفسي إمبراطورا أم لا.


عندما تسلم هوسمان رئاسة بلدية السين، هتف الأعضاء الحاضرون: «فليحيَ الإمبراطور». أما هو فقال: «أجل، فليحيَ الإمبراطور الذي يريد أن يجعل من باريس أعظم مدينة في العالم، وعاصمة تليق بفرنسا». اعترض سلفه، المسيو بيرجيه، على هذا المشروع الطموح وتكاليفه، لكن هوسمان قال: «إننا إنما نبني في سبيل باريس والفرنسيين. إنها عاصمتهم جميعا».


كان ذلك منتصف القرن التاسع عشر. ولا يزال جمال باريس مصدر دخل رئيسيا لها حتى الآن. يفكر المستقبليون في بناء دروب المستقبل. عندما شق هوسمان البولفارات لم يكن أحد يتخيل السيارات الفارهة التي سوف تملأها ذات يوم. وباريس التي نعرفها اليوم تحمل توقيع البارون هوسمان أكثر مما تحمل اسم نابليون الثالث، الذي كان، في أي حال، من أفضل رجال «الإمبراطورية».


يطالب الرئيس إردوغان وحزبه منذ زمن بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولذلك، قام بتعديل قوانين عدة في البلاد كشروط مسبقة. لكن القصر الجديد لا يتماشى كثيرا مع صورة أوروبا الحالية. يشبه أكثر أبّهات روما القديمة وصورة السلطنة يوم كانت تمتد في بلدان كثيرة. وقد يحبذ الأتراك قصرا على 300 ألف متر مربع، كما قد يحبذون الاستمرار في التقدم والنمو الاقتصادي، وهما ليسا في حاجة إلى مثل هذا القصر.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com