هل انقلبت روسيا على إيران؟
هل انقلبت روسيا على إيران؟هل انقلبت روسيا على إيران؟

هل انقلبت روسيا على إيران؟

إميل أمين

على عتبات عقدها الرابع من ثورتها الدوجمائية التي سببت الكثير جداً من الآلام والاضطرابات، بل من الشرور والإرهاب للإقليم والعالم، ها هي إيران تجد نفسها وحيدة في السياقات والأطر الدولية، من دون حليف دولي موثوق أو دعم أممي مرموق. ماذا عن الرؤية الروسية لإيران وبخاصة في ظل الصدامات التي جرت على الأرض مؤخراً بين الطرفين على الأراضي السورية، والى أين تمضي العلاقة، وهل انقلبت موسكو بالفعل على طهران؟ يمكن القطع بأن موسكو وريثة القيصرية أكبر في رؤيتها من أن تكون أسيرة للدوران في فلك نظام الملالي الثيولوجي صاحب الرؤية العقدية الجامدة، والرافضة للآخر، والتي تتملكها إشكالية «ملاك الحقيقة المطلقة»، وهي رؤية يدركها فلاديمير بوتين تمام الإدراك. يتعاطى الروس مع الإيرانيين بوصفهم بيادق على رقعة الشطرنج الدولية، وفي سياق التنافس المتجدد مع الولايات المتحدة الأميركية على القطبية الدولية، وعليه فإن طهران لم تكن أبدا بالنسبة لروسيا ذلك الحليف الاستراتيجي، بل هي علاقة نفعية مرحلية إلى حين إعلان آخر.

أحد الأسئلة الواجب طرحها لكي نفهم أبعاد تلك العلاقة:«هل روسيا في واقع الأمر تشعر أو يمكن أن تشعر عند لحظة زمنية بعينها بأي شكل من الأشكال بالرضى عن إيران نووية أو إيران ذات ترسانة صاروخية باليستية بعيدة المدى ومهددة للقريب والبعيد معاً؟

الروس هم أول من يرفض هذا الطرح لعدم ثقتهم في الإيرانيين، وعندهم أن إيران ذات سلاح نووي هو أمر كارثي يأتيهم من الجنوب، وإيران صاروخية هو شأن مهدد لاستقرار وأمن بلادهم، بل ونطاق نفوذهم الإقليمي في القارة الآسيوية، والشمال الشرقي منها بنوع خاص، ولهذا فإنه عند حد معين من الدعم سيقول الروس للإيرانيين هنا وكفى.

هل بدأ الروس في التخلي عن الإيرانيين وتالياً توجيه نيران مدافعهم نحوهم؟ من الواضح أن ذلك كذلك بالفعل، والدليل التغاضي عن الضربات الجوية الإسرائيلية المتعددة على الأهداف الإيرانية في الداخل السوري، والتي ما كان لها أن تحدث بالفعل من دون تنسيق روسي إسرائيلي، وبرضى متبادل من الطرفين، ذلك أن إسرائيل بالنسبة للروس حليف انفع وارفع، من إيران عشرات المرات. وعلى الجانب الآخر فان الإسرائيليين لديهم قناعة كبرى بأن روسيا وحدها هي القادرة على إخراج إيران من سوريا، الأمر الذي صرح به قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق «أمير إشل» لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية الأيام القليلة الماضية. والشاهد أن الموقف على الأرض السورية في الأسابيع الأخيرة تجاوز مجرد غض البصر عن الضربات الإسرائيلية للأهداف الإيرانية، ووصل حد مهاجمة روسيا لمجموعات موالية لإيران في سوريا، الأمر الذي نوّه عنه موقع «نتسيف» الاستخباراتي نقلاً عن مصادر إسرائيلية، أشارت إلى أن القوات الروسية العاملة في سوريا شنت قبل أيام وللمرة الأولى هجوماً ضد مجموعات موالية لإيران، واستهدفت جسوراً تمر فوق«نهر الفرات»، الذي تسيطر عليه تلك المجموعات الإيرانية شرق سوريا، كما أرسلت القوات الروسية تعزيزات للقوات الموالية لها، والتي تعمل في المنطقة ذاتها.

هل ستكون إيران والإيرانيون قرباناً روسياً على مذبح العلاقات الأميركية، وفي مبادلة لا تخطئها العين وقد كثر الحديث عنها من قبل؟ ما تردد منذ فترة وعبر العديد من المواقع الاستخبارية يتصل بضغوطات أميركية على الروس لإخراج الإيرانيين من سوريا، فيما الروس بدورهم يقايضون الأميركيين من أجل أن تصمت واشنطن تجاه الوضع في أوكرانيا.

لا يغيب عن ناظري الروس أن طهران تسابق الزمن في إطار الصراع على النفوذ في سوريا، وتود أن تؤكد لموسكو على أنها رقم صعب في أي تسوية مقبلة مع واشنطن وأنقرة والدول العربية حول سوريا. أما طهران فالقاصي والداني يعلمان أن لديها حلماً قديماً منذ زمن الإمبراطورية الفارسية، ومن مصادفات القدر أنه ذات الحلم الروسي منذ زمن بطرس الأكبر وكاترينا العظمى، أي الوصول إلى المياه الدافئة على شاطئ المتوسط. والشاهد أنه إذا كان الروس قد أدركوا حلمهم من خلال الموانئ السورية، فإن الإيرانيين يأملون بأن يصنع نفوذهم ممراً من بغداد إلى دمشق فلبنان وصولا لسواحل البحر الأبيض المتوسط، ولتضحى بعدها البحرية الإيرانية شريكاً في الحضور الاستراتيجي العسكري في منطقة ملتهبة، الأمر الذي لا تقبله إسرائيل، ولا ترضى عنه موسكو بالقدر نفسه. مخاوف الانقلاب الروسي على إيران يحاول الملالي مداراتها لكنهم يخفقون، وهذا ما حاوله المستشار الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية اللواء حسين فيروزي، من خلال التقليل من أهمية التباينات الكبيرة بين إيران وروسيا، لكن الحال يغني عن السؤال.

كارثة إيران أبداً ودوماً أنها في خضم غرورها تنسى ما يعرف عسكرياً بميزان الانتباه، ذاك الذي يقيس قدراتها العسكرية الحقيقية، وتتناسى أن روسيا كانت ولا تزال ترفض إيران مصدرة القلاقل والإرهاب، وصاحبة النوايا غير الخافية على أحد في نشر دوجمائيتها في الجمهوريات السوفييتية السابقة.

والخلاصة أن التقية لا تفيد.

الاتحاد

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com