لو عاش سيد عويس!
لو عاش سيد عويس!لو عاش سيد عويس!

لو عاش سيد عويس!

سليمان جودة

لو عاش الدكتور سيد عويس إلى اليوم، لكان له- يرحمه الله- كلام آخر فى جريمة كفر الشيخ التى هزت مصر كلها، قبل أن تهز المنطقة التى وقعت فيها هناك، ولكان قد وضعها مع ما سبقها من جرائم مماثلة فى سياق واحد!.. كان الدكتور عويس عالم اجتماع من الوزن الثقيل، وقد عاش يرصد تقلبات المجتمع وأحداثه، ويتابع تحولاته، ويراقب تياراته، واضعاً عينه على وجه مجتمعه، ويده على قلبه، وراغباً فى أن يفهم ماذا يجرى على مستوى آحاد الناس فى بلده من حوله!.

ولو كانت الجريمة التى ارتكبها طبيب كفر الشيخ من الجرائم العادية ما كانت قد استدعت ذكرى عالم الاجتماع الكبير إلى الأذهان.. وإلا فهل هى جريمة عادية أن يذبح الطبيب زوجته وأولاده الأطفال الثلاثة بسكين واحد من الوريد إلى الوريد؟!.. وهى ليست فقط غير عادية، وإنما تكررت أمامنا حجماً ونوعاً بشكل لافت.. وعندما تتكرر الجريمة من حيث النوع، ومن حيث الحجم، يصبح استدعاء ذكرى سيد عويس أمراً لا بديل عنه، لعل أحداً من تلاميذه بيننا يشرح لنا ماذا أصاب الناس؟!.

ليس الهدف هنا إدانة الطبيب أو تبرئته، فهذا من شأن المحكمة التى سيقف أمامها، وهى التى بالقانون تُبرئ أو تدين.. ولكن الهدف أن نسمع من أهل الشأن والفهم، ماذا على المستوى الاجتماعى جرى ويجرى على مدى أعوام قليلة مضت!.

إن مراجعة سريعة لصفحات الحوادث فى الجرائد خلال سنوات معدودة على أصابع اليدين انقضت، سوف تشير إلى أننا أمام جرائم جديدة على مجتمعنا، وهى جرائم تتكرر بما يجعلها ظاهرة أو ما يشبه الظاهرة، ولابد للمنشغلين بعلم الاجتماع والمشتغلين به أن يكونوا فى القلب مما نراه، ونعيشه، ونتابعه، ثم لا نكاد نصدق أنه يقع بيننا.. لابد ليعرف المجتمع قدمه من رأسه!.

إن الذين حضروا مشهد ذهاب الطبيب إلى قاضى المعارضات لتجديد حبسه قد راحوا فى ذهول يرددون عبارات، من نوعية أن الجريمة غريبة على مجتمعنا المتسامح فى عمومه، وأنها صادمة لتقاليده، وخارجة عن أعرافه، وبعيدة تماماً عن أخلاقياته.. إلى آخره.. إذن، ماذا بالضبط حدث ويحدث، وما الذى وصل بنا إلى حالة لا تقع فيها مثل هذه الجريمة المُروعة وفقط، ولكنها بكل أسى تتكرر وتتكرر؟!.

لقد أخرج الدكتور عويس كتاباً من ثلاثة أجزاء فى ٨٠٠ صفحة، حاول فيها أن يرسم معالم طريق المجتمع بكل تفاعلاته، على طول عقود من الزمان عاشها الرجل وأخضعها للدرس، والفحص، والاستيعاب.. وفى واحدة من العبارات التى صاغها قال: مصر معمل اجتماعى ضخم!.. وفى الكتاب الصادر عن دار الهلال قديماً، وعن دار العين حديثاً، جعل العنوان هكذا: التاريخ الذى أحمله على ظهرى!!.. فكأنه أراد أن يقول إن ما يتفاعل اجتماعياً فى هذا المعمل الضخم ثقيل ثقيل!.

ليت أحداً من تلاميذ عويس يتطوع ليضع نقاط مجتمعنا فوق الحروف!.

المصري اليوم

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com