«حالة البلاد»
«حالة البلاد»«حالة البلاد»

«حالة البلاد»

عريب الرنتاوي

ليس هناك ما هو وأهم وأجدى، من أن نفتتح عامنا الجديد بالحديث عن «حالة البلاد»، ذلك العمل الضخم والعميق، الذي أثار وما زال يثير، عاصفة من ردود الأفعال، بعضها يستحق القراءة والتأمل، وأغلبها صدر قبل قراءة التقرير أو حتى من دون الحاجة لقراءته.

لم أكمل بعد القراءة المتمعنة للتقرير، فأنا على سفر، ولكنني مررت سريعاً بمعظم أو جميع فصوله، وهي شاملة لمختلف مناحي حياتنا في الأردن، وأحسب أننا أمام عمل جبار وجهد جماعي، تجتمع بين دفتيه الخبرة والمعرفة ... قد تتفق مع بعض فصول التقرير وقد تختلف مع بعضها الآخر، وقد تتحفظ على أرقام هنا ومعطيات هناك، لكن ذلك وحده، ليس كافياً للحكم بالإعدام على التقرير أو وصفه بـ»الانطباعي» و»التسطيحي».

المنتقدون للتقرير شيعاً وقبائل، بعضهم نطق بحكم الإعدام عندما قرأ صفحة الشكر بقلم الدكتور مصطفى الحمارنة، وبعضهم الآخر صدمته المكاشفة والمصارحة والجرأة في نقد حالنا ... بعضهم «الثالث»، لا يريد لنا أن ننظر بالمرآة، خصوصاً حين تكون من النوع «المكبر»، خشية أن نرى التجاعيد والأخاديد في وجوهنا ... بعضهم «الرابع» ينتمي لمدرسة تسعى في تأبيد حالتنا وتقاوم التغيير، إن لأسباب تتعلق بطبيعتها «المحافظة»، أو بدفع من منظومة المصالح التي يوفرها استمرار الحال على ما هو عليه ... تعددت الأسباب والنتيجة واحدة.

غريب أمرنا نحن الأردنيين، فما من أحد يتحدث عن «التغيير» و»تغيير النهج» مثلنا أو على قدرنا ... ولكن ما أن تلوح في الأفق، بوادر دعوة جادة وجدية للتغيير، حتى ينقلب المشهد، وترتعد فرائصنا، لكأننا مقبولون على «قفزة في المجهول»، ولا نريد لأنفسنا أن نبرح هذا المكان أو أن نغادر هذه الحال ... تقرير «حالة البلاد»، شخّص بدقة حالتنا، ومرة أخرى، ليس لعمل بهذا الحجم وبكل هذه المشاركة، أن يكون خالياً من ثغرة هنا، أو نقص هناك، وبدل الانقضاض على التقرير و»شيطنة» القائمين عليه، كان يتعين الانخراط في حوار جدي حول مضامينه وتوصيفاته وتوصياته، والباب ما زال مفتوحاً لعمل أمر كهذا، على أية حال.

ماذا عن مصطفى الحمارنة؟

لا يكتمل الحديث عن «حالة البلاد» من دون حديث، وإن مقتضب عن صاحبه، أو بالأحرى، الرجل الذي من دونه، ما كان للتقرير أن يصدر، وما كان له أن يكون على هذه الدرجة من الجرأة والعمق، وأعني به مصطفى الحمارنة، الذي تعود معرفتي الشخصية به لما يقرب من ربع قرن، تسمح بأن أقول بعض الكلمات في حقه، مع أن الرجل ليس بحاجة لشهادة مني أو من غيري.

عرفته أول مرة مديراً لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، وقد أخرجه من السبات إلى فضاء التفاعل مع قضايا الدولة والمجتمع في الأردن، وله شخصياً، ومن موقعه، يعود الفضل في تقديم ثلة من الباحثين في مجالات اختصاص متعددة، قبل أن تخاطفتهم مراكز ومناصب وأقطار وأمصار، لكن البعض فقط، هم من يتنكرون لـ»الدور التأسيسي» للحمارنة في المركز، والذي بات يتبوأ مكانة مرموقة محلياً وإقليمياً.

وكنت أقدم برنامج «قضايا وأحداث» على الشاشة الوطنية، عندما جاءنا الحمارنة رئيساً لمجلس الإدارة، فأعطى المجلس والموقع، دوراً غير معهود، في الإشراف على برامج تطويرية للشاشة، وتابعت «السجل» التي تولى إصدارها، وكانت بمثابة «نبش في عمق» حياتنا السياسية والفكرية والاجتماعية، نحزن اليوم لغياب هذه التجربة وتعثرها، فقد سدّت فراغاً مهماً في حياتنا السياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية.

وحين كان نائباً، أسس لكتلة «المبادرة النيابية»، ومعها وبها، جاء بتجربة «الاشتباك الإيجابي»، وهي تجربة تقترب من فكرة «حكومة الظل» لأول مرة، وترقى بالأداء الرقابي والتشريعي للمجلس النيابي إلى مصاف أعلى، ومهما قيل في تلك محدودية الإنجاز، إلا أنها ستبقى تجربة جديرة بالاهتمام والتأمل.

إلى أن جاء إلى «المجلس الاقتصادي – الاجتماعي»، فأحاله إلى حالة «اشتباك إيجابي» أيضاً، مع مؤسسات الدولة والمجتمع والأكاديمي والخبراء والمختصين، وخرج به من الظل إلى بؤرة الحدث، وعاود من فوق منصته، طرح ما يجبهنا من مشكلات وتحديات، دونما مواربة أو تجميل، دون مكياج أو ديكور زائف، وربما لهذا السبب استحق أن يوصف بالرجل «الإشكالي»، وهو كذلك، ولكنه توصيف يحسب له ولا يحسب عليه.

الدستور

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com