صيحة المجتمع المدني الفلسطيني
صيحة المجتمع المدني الفلسطينيصيحة المجتمع المدني الفلسطيني

صيحة المجتمع المدني الفلسطيني

عدلي صادق

في ختام انعقاد مؤتمر مشترك لها في رام الله وغزة، أصدرت المنظمات الحقوقية والمدنية الفلسطينية بيانا قالت فيه، إن “المحكمة الدستورية تهدد النظام السياسي وقرار حل التشريعي لا أساس له في القانون الأساسي”. وأكد البيان أن حل المجلس التشريعي “يشكل انتهاكا للمبادئ والقيم الدستورية وبخاصة مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء كأساس للحكم الصالح، وهو قرار سياسي وغير دستوري يشكل سابقة خطيرة للقيام بحل أيّ مجلس تشريعي منتخب قادم”.

للأسف، لم يُسمع أي رأي نقدي من الشريحة السياسية الفلسطينية العاملة مع محمود عباس، ولا من القيادات المهمشة، بحكم جاهزية الرجل للانقضاض على حياتها وتكاليف معيشتها. حل التشريعي قبل التوافق على انتخابات عامة، معناه إدخال المشهد الفلسطيني كله في المزيد من الأزمات، والتغطية على كارثة تجويع غزة والفتك بالمجتمع فيها، وهو قرار ضد حماس في الظاهر، لكنه يفيدها في الجوهر ويفتح لها مسارات لعلاقات دولية، وينال أكثر فأكثر، من جدارة النظام السياسي الوطني. ليس المجلس التشريعي لحماس وحدها، وإن كانت لها فيه أرجحية. وليس “التشريعي” ظاهرة غزاوية، وإنما هو المؤسسة التشريعية والرقابية للسلطة. وليس “التشريعي” هو الذي لم يعمل منذ اثنتي عشرة سنة، وإنما هو الذي طالته تدابير التعليق ومنع الانعقاد وإدامة التفرد، طوال السنوات التي جرى فيها التوقيع على اتفاقات للمصالحة، وجرت اللقاءات والمجاملات، دون أن يُدعى المجلس إلى الانعقاد كاملا، لزوم الاستمرار في التفرد وتغييب الحياة الدستورية.

شدّدت المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني في بيانها، على ضرورة خلق الأسباب لتعزيز وحدة النظام السياسي الفلسطيني ووحدة أرضه “وهو يتطلب دائما البحث في المشترك وتعظيمه وتنحية كل ما هو مُختلف عليه”. وأضاف البيان “لا تزال هناك ضرورة لتمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة مهامها في قطاع غزة” منوّهة في الوقت نفسه بأن الانتخابات الرئاسية والتشريعية تشكل مدخلا ضروريا وحيويا للمصالحة، وتجديد النظام السياسي بتوافق كل الفرقاء، وإتاحة الفرصة للمواطنين للمشاركة في إدارة الشؤون العامة، وانتخابهم لممثليهم وتعزيز أدوات الرقابة والمحاسبة، تحصينا للمجتمع الفلسطيني ووفاء بالتزامات دولة فلسطين بموجب الاتفاقيات التي انضمت إليها، وفوق كل ذلك وقف التفتيت الخطير لوحدة الأرض الفلسطينية والنظام السياسي.

في هذا السياق دعا نائب مستقل ووزير فلسطيني سابق، إلى التمسك بخيار الانتخابات، وأفاد بأنه تحدث مع حماس، ودعاها إلى أن تتجاوز الخلل الدستوري في قرار حل المجلس التشريعي الفلسطيني، وتقبل التحدي وتوافق على خوض انتخابات مع ضمانات الشفافية والرقابة الدولية. وفي الواقع إن المطلوب قبل هذا وبعده، إن لم تكن معنية بفصل غزة عن الضفة، وإن كانت حريصة على وقف الداعي الذي يدفع إليه عباس، أن تعيد النظر أولا في أسلوب الحكم في غزة، لكي تتأهل للمشاركة في إنقاذ النظام الوطني. والملاحظ حتى الآن، أن كل ما يعنيها في الخصومة مع عباس، هو هجوم عباس عليها واستهدافه لها، وليس النيل من الأسس الدستورية والقانونية الناظمة لحياة المجتمع الفلسطيني، وليس أدل على ذلك، من كونها في موضوع طلب التمكين لحكومة الحمد الله؛ لم تشترط إنفاذ القانون والعمل بالوثيقة الدستورية في كل أراضي السلطة الفلسطينية، ولم تسأل الذين يطلبون التمكين، بأي أسلوب سوف يحكمون وبأي مرجيعيات وبأي أشخاص، وما هي ضمانات التعددية والتنوع وحرية الرأي والعمل السياسي والتزام كل ما نصت عليه الوثيقة الدستورية. فكأن مثل هذا الالتزام، أمر كريه بالنسبة للطرفين اللذين يحكمان، كل بقبضته الأمنية، في الضفة وغزة!

قصارى القول الآن، أن منظمات المجتمع المدني الفلسطيني والمؤسسات الحقوقية، أثبتت أنها أكثر وعيا وجدارة من تنظيمات سياسية يُفترض أنها تولت التنشئة السياسية لأجيال بعد أجيال، على مر سنوات طويلة من العمل الوطني!

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com