البابا والإمارات..أُخوّة وحوار
البابا والإمارات..أُخوّة وحوارالبابا والإمارات..أُخوّة وحوار

البابا والإمارات..أُخوّة وحوار

إميل أمين

لقى نبأ زيارة بابا الفاتيكان فرنسيس إلى الإمارات وقعاً طيباً على جميع الذين استمعوا إليه، وهم يدركون أن تلك الخطوة التاريخية ما كان لها أن تحدث لولا القيادة الإماراتية المتسامحة مع الذات والمتصالحة مع الآخرين، والتي وفرت مساحة واسعة جداً من الحريات الدينية لكافة الأقليات التي جعلت الإمارات بالنسبة لها وطناً ثانياً، ويسبغ عليها عدالة ومساواة واحتراماً في إطار من الشرائع والقوانين الأخلاقية والإنسانية والإيمانية معاً.

إنها لحظة تاريخية بالفعل أن يقوم بابا روما تلك الشخصية الاستثنائية دوماً بزيارة هي الأولى من نوعها عبر ألفي عام إلى منطقة الخليج العربي، في إشارة لا تخطئها العين إلى أمرين:

الأول وطن يقوم عليه رجال قادة بات اللقاء والحوار والجوار ديدنهم مع القريب والغريب.

والثاني بابا رغم نفوذه حول العالم المستمد من كيان يعد من أقوى المؤسسات البشرية عبر التاريخ إلا أن مسيرته منذ أن ارتقى السدة البابوية عبارة عن رحلة فقير وراء جدران الفاتيكان، فهو يرفض حتى الساعة الإقامة في القصر الرسولي المخصص لسكنى البابوات، ويصر على أن يعيش في فندق صغير«نزل سانتا مارتا» على أطراف الفاتيكان في غرفتين لا أكثر، وجل همه أن يعيد وصل ما قد انقطع مع العالم الخارجي، لا سيما مع الجيران الأقرب جغرافياً وتاريخياً، أي العالم العربي والإسلامي.

قبل زيارة البابا إلى الإمارات ربما يتساءل رجل الشارع في الخليج العربي وبقية أرجاء المنطقة:«لماذا البابا فرنسيس رجل محبوب ومرغوب من العالم الإسلامي؟ الجواب يسير للغاية ويتمحور في كلمات بسيطة: قدرته على تقديم الأديان والمسيحية تحديداً كجسر للمحبة بين الأمم والشعوب، وليست كجدران عالية تمنع التقاء البشر.

ولعل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة قد أحسن كثيراً جداً في وصف البابا فرانسيس بأنه رجل يُعد رمزاً عالمياً من رموز السلام والتسامح وتعزيز روابط الأخوة الإنسانية.

زيارة البابا إلى الإمارات فرصة حقيقية لتعميق الحوار بين البشر، وتعزيز التعايش السلمي بين الشعوب، ويبقى ازدهار السلام غاية تتحقق بالتآلف وتقبل الآخر.

أفضل ما في هذه الزيارة الكبيرة المنتظرة أنها تأتي في وقت باتت فيه هواجس ومخاطر الشقاق في النسيج الإنساني تقلق الجميع شرقاً وغرباً، وتبدو الإنسانية ممزقة بين مفاهيم الوفاق والافتراق، البحث عن السلام، والتيه في دروب الخصام.

جعل بابا الفاتيكان عنوان زيارته «اجعلني إلهي أداة للسلام»، وهو شعاره للبابوية، والذي اتخذه من القديس فرنسيس الإسيزي رجل التصوف المسيحي الأشهر في القرن الثالث عشر الميلادي، والذي وقف في وجه الحروب الصليبية، منادياً بعلائم المحبة عوضاً عن شعارات الموت.

تلعب الأديان الآن دوراً جوهرياً في زخم البشرية إن إيجاباً أو سلباً، وباتت تلهب مشاعر الجماهير في قارات الأرض الست بما يصنع النماء أو يقود إلى الفناء، ولهذا قال اللاهوتي السويسري الشهير«هانز كنج»:«إنه لا سلام بين الأمم من دون سلام بين الأديان». ولعل مؤتمر الأخوة الإنسانية الذي ستشهده أرض الإمارات الطيبة في الفترة ما بين الثالث والخامس من فبراير المقبل، يؤكد لنا على أن الحوار بين اتباع الأديان وهم أخوة، يتسم بأعلى درجات الفاعلية عندما يكون ناتجاً عن خبرة التعايش في الحياة اليومية، داخل المجتمع الواحد والثقافة السائدة فيه، وليس أفضل من أرض العرب لتحكي لنا عن تاريخ عيش واحد عاشه المسيحيون والمسلمون إلى جانب بعضهم البعض مئات السنين، واستمر الحوار في نطاق الحياة المشتركة بينهم دون انقطاع، وعليه فإنه يجب أن تشكل الخبرات الإيجابية عامل تقوية لآمال السلام لدى اتباع الديانتين المسيحية والإسلامية، كما لا يجوز أن تؤدي الخبرات السلبية إلى تقويض تلك الآمال.

لقاء الإمارات القادم يفتح أعيننا على حقائق راسخة عبر التاريخ البشري وفي المقدمة منها أن فعل الشر وتشجيع العنف والعداوة، يشكلان تناقضاً رهيباً مع الذات الإلهية وإهانة كبيرة للسماء، ومن هنا لابد لنا أن نتوقف جلياً مع ذكريات من الماضي، وبالقدر نفسه لحظات من الحاضر عكست الكثير من أمثلة الاستغلال السيئ للأديان، ولهذا فإنه علينا جميعاً أن نعمل على تقوية التزامنا بالحوار بيننا، حيث يرسل اللقاء الأخوي أبداً ودوماً إشارة من الأمل لشعوب العالم في الأوقات التي يعم فيها اليأس النفوس البشرية.

زيارة البابا للإمارات تحيي ذكريات أحد أنقى وأنضر ما في صفحات التاريخ العربي والحضارة العربية، تلك التي شارك في صنعها أبناء الأديان المختلفة من مسيحيين ويهود ومسلمين، ويومها لم تكن هناك معالم أو ملامح للتمييز، وعرفت تلك الحضارة معنى ومبنى المواطنة قبل أن يصل التعريف الجديد إلى عالمنا المعاصر، ولهذا أشرق نورها على العالم كله.

تعيد الإمارات السيرة الأولى للأيام الخوالي، وتسعى في سياق توحيد الإنسانية على قلب واحد، قلب يعي أن الأرض لله، وأن أقرب الناس إلى الله، هم انفعهم لعياله كما تقول الصوفية.

الاتحاد

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com