صحيفة أردوغان الأثيرة "يني شفق"
صحيفة أردوغان الأثيرة "يني شفق"صحيفة أردوغان الأثيرة "يني شفق"

صحيفة أردوغان الأثيرة "يني شفق"

عدلي صادق

في أحدث محاولاتها الساذجة، للتضليل، نشرت صحيفة “يني شفق” (الشفق الجديد) التركية ملخصا شديد الإيجاز لما يشبه فيلما هنديا، يتعلق بمقتل جمال خاشقجي، ويركز على النائب الفلسطيني محمد دحلان، الذي جعله الموجز المنشور، طريح العناية المركزة، بعد أن تعرض لاعتداء جسدي مُبرّح، بسبب أن الرجل، حسب ما زعمت صحيفة أردوغان؛ رفض أن يتبنى أو يعترف بتنفيذ عملية قتل خاشقجي أو التكفل بمحو آثارها.

وفي الحقيقة، كان ما فاضت به جعبة إبراهيم كاراغول، رئيس تحرير الصحيفة، معطوفا على سلسلة من قصص التضليل الخبرية، التي اعترفت “يني شفق” باختراع معظمها ومسحته عن موقعها الإلكتروني، بعد أن كان الرئيس رجب طيب أردوغان قد تبنى ما نشرته ودافع عنه. فقد باتت “يني شفق” في سجلات التعريف الدولية بوسائل الإعلام، موصومة بالكذب الركيك، لا سيما بعد أن تصدى البروفيسور المؤرخ ومؤسس علم اللغويات الحديثة نعوم تشومسكي، منّظر اليسار الأميركي، لعملية تشويه لمواقفه وسمعته، عندما اخترعت “يني شفق” أسئلة له وأجوبة منه، مزجتها مع مقابلة أجرتها مع تشومسكي عبر البريد الإلكتروني. ففي تلك الواقعة هاجم تشومسكي الصحيفة فأنكرت فعلتها وزعمت أن لديها الأصل باللغة الإنكليزية وستنشره، ولما نشرته اتضح من خلال رداءة الترجمة والأخطاء النحوية، أن الأصل تركي وجرت ترجمته عبر تطبيق “غوغل” لكي تزعم الصحيفة أن هذه هي الأجوبة التي جاءتها باللغة الإنكليزية، من عالم لغوي، مفعمة بأخطائها. انكشف الطابق واعترفت الصحيفة بأنها لفقت بعض الأجزاء من المقابلة المنشورة، فتناولها شُبان مواقع التواصل الاجتماعي الأتراك بالسخرية.

لطالما مارست هذه الصحيفة الكذب، للنيل من سمعة معارضين ومتظاهرين وشخصيات من تركيا ومن خارجها. ففي أحد مزاعمها المفضوحة، ادعت أن متظاهرين لجأوا إلى مسجد “دولمباهس” قد استهلكوا داخل المسجد كمية كبيرة من الكحول، وتبنى أردوغان نفسه الرواية وقال إن لديه لقطات فيديو، لكنه لم يعرضها وقرر نقل إمام المسجد الذي نفى الرواية جملة وتفصيلا، إلى مدينة أخرى، وأثبتت كاميرات التسجيل أن ذلك لم يحدث. وفي واقعة أخرى، في منتصف عام 2013 عندما اعتصم مواطنون في حديقة “غيزي” في إسطنبول، احتجاجا على مشروع تحويل الحديقة إلى مركز تجاري، ادعت الصحيفة أن المعتصمين خططوا لإحراق الشوارع في ذكرى الإسراء والمعراج، وأن ذلك من تدبير وكالات إعلان نشرت “يني شفق” قائمة بأسمائها، فلجأت الوكالات إلى رفع دعاوى قضائية ربحتها في المحاكم، وثبت أن الفعالية كانت محض احتجاج سلمي لمناصري البيئة.

كذلك ضُبطت الصحيفة متلبسة في عملية تزوير أشرطة فيديو تعرضها على صفحتها الإلكترونية، إذ يتم استبدال الصوت الأصلي بصوت آخر ذي فحوى مغاير، وفي إحدى الوقائع، نشرت وحققت وكالة الأنباء البريطانية D8 في عملية تزوير شريط يتعلق بالزعيم الكردي المسجون عبدالله أوجلان، وخرجت بنتيجة أن محرري “يني شفق” مارسوا التزييف بهدف التضليل.

بدل أن تتعظ الصحيفة من ضربات الافتضاح المتلاحقة، وأن تتوخى الحذر والجودة في عمليات التضليل؛ ازدادت استخفافا بعقل المتلقي التركي، ومازالت تورط أردوغان نفسه في ادعاءات حمقاء تجلب له مظنة الرعونة، بحكم قرب الصحيفة منه وتأييده لها في ما نشرته من مزاعم سابقة ثبت بطلانها. ويبدو أن الرئيس التركي لم يتنبه إلى أن العالم لم يعد يتقبل الحكاوي الساذجة، وأن الاتهامات الجزافية لن تلقى إلا السخرية، بل إن من يتأمل الصيغ الكيدية التي تنشرها الصحيفة، يستغرب أن يصل الاستهتار بعقول الناس إلى هذا الحد، الذي يخترع أدوارا لشخصيات وحكومات، دون أي منطق أو استناد إلى أي حيثية واقعية.

في مختصر الرواية الأخيرة التي حسمت مصير رجل لا علاقة له بموضوع خاشقجي ولا بأي جريمة، وليست في يده أي سلطة، بأنه تعرض للضرب المبرح ولكسر في الرقبة، بسبب أنه لم يعلن أمرا مثلما تُعلن الحكومات والدول مواقفها.

هنا يتبدى إصرار نظام أردوغان على ربط كل شيء يتعلق بولي عهد السعودية بولي عهد أبوظبي، ما يعني أن أصل الشكاية الأردوغانية هي أبوظبي وليس السعودية.

فهذه الأخيرة أجرت معها تركيا بعد قتل خاشقجي حوارا ناعما ولا يزال أمر الحوار في دور العتاب والمآخذ على عدم التعاون. ولأن دحلان يعمل مستشارا في أبوظبي، وهو ممن يتخذون موقفا معارضا للمشروع الإخواني في الإقليم، شأنه في ذلك شأن الملايين من المهتمين في المنطقة بالشأن السياسي، وبحكم خلفية وظيفته الأمنية في فلسطين التي تعمد الإخوان تشويه مقاصدها وتجربتها؛ رأى إعلام أردوغان وجوب الزج باسم دحلان في الحكاية لتعزيز الاتهام الأصلي للإمارات بالضلوع فيها.

وقد كُلفت صحيفة “يني شفق” للقيام بالمهمة، غير أن ضآلة معرفتها بمعطيات الواقع جعلتها تخرج بصيغ لا تنطلي على أطفال. فالاتهام يتراوح بين ارتكاب فعل القتل ومحو آثاره، وكأن الذي يقتل داخل بيته في حاجة إلى من يساعده على محو الآثار في بيته نفسه.

وكأن الذي جاء لكي يمحو آثار القتل بعد انكشاف الجريمة، سيقوم بنزهة لا يراها الأمن التركي. أو كأن فريق محو أثر الجريمة عندما يأتي من لبنان، سيكون هو الآخر ذا حصانة دبلوماسية، فلا تعتقله السلطات التركية قبل أو بعد دخول القنصلية السعودية.

كان واضحا من صيغة الاستهبال أن الإمارات هي المقصودة وأن الهجوم عليها يجري برعونة وارتجال، وبنوع من الكذب الذي سيصبح موضع السخرية بعد دقائق.

إن ما تفيض به جعبة “يني شفق” يخصم من هيبة أردوغان، ويُحرج أولئك الواهمين الذين يتعلقون بقشة ويصدقون الخطاب الإسلامي الواعد بالتمكين في العالمين، ولا يرضون أن يُمس أردوغان بكلمة، على وهم بأنه ضمانة انبعاث الخلافة.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com