في ثنايا التعاطي مع مأزق غزة
في ثنايا التعاطي مع مأزق غزةفي ثنايا التعاطي مع مأزق غزة

في ثنايا التعاطي مع مأزق غزة

عدلي صادق

في معالجات وضع قطاع غزة، تتقاطع الكثير من السياقات والمقاصد. فمحنة هذه المنطقة، وإشكالياتها بالنسبة للعديد من الأطراف، غير مسبوقة في تعقيداتها. فشأن غزة، جزء من الشأن الفلسطيني، وهذا الشأن الأخير، يتخاصم في داخله طرفان، يمسك كل منهما بالسلطة في مساحة من الأرض. لذا فإن المعالجات تصطدم بالعقبات أو الألغام على طريق الوصل بينهما.

الوسطاء المصريون، المعنيّون بالتوصل إلى حل لمأزق غزة، باعتباره يؤثر سلبا على الأمن القومي المصري؛ يحملون ثلاثة ملفات: التهدئة والمصالحة والوضع الإنساني الذي يتردى في غزة إلى حد البؤس، وقد ظهرت تداعياته الاجتماعية والاقتصادية على نحو مريع، وبات ينذر بخطر الانفجار في أي اتجاه.

الطرفان المتخاصمان، يناور كل منهما على الآخر، وعلى هذا الخط أيضا، هناك تداعيات فادحة لمنطق الإقصاء الذي يعتمده كل منهما، إذ تستبد بمجموعة الحكم في الضفة، نزعات ونعرات مناطقية وسلطوية تنحو إلى ممارسة الضغوط على الطرف الآخر، حتى وإن كان معنى ذلك خنق المجتمع في غزة ودفعه إلى الانفجار في أي اتجاه غير اتجاه الحكم الحمساوي، على افتراض أن الانفجار في وجهه، في حال توفرت محفزاته، سيكون بمثابة حرب أو نزاع أهلي مفتوح، لا تُحمد عقباه.

فمن محاسن المحنة التي تعيشها غزة، أن الطرف الذي يريد التمكين في غزة وإقصاء حماس عن الحكم فيها من خلال انفجار اجتماعي، شارك، ويشارك، في صنع المحنة التي أفقدت المجتمع الفلسطيني في غزة عافيته، وبالتالي لن ينتفض الشعب في وجه حماس، ويخوض معركة دامية لأجل عيون محمود عباس الذي يصنع مأزقه من موقع ولي الأمر.

أما الطرف الحمساوي، فإن مجموعة مخاوف تستبد به، بخلاف ارتهاناته الحزبية ذات المرجعية “الإخوانية” التي لها تأثيراتها، مهما كانت هناك مسايرة حمساوية للوسطاء المصريين. ومن نافل القول، أن الطرفين يتهم كل منهما الآخر بحكاية “صفقة القرن” للتسوية غير العادلة.

فبعد أن تجاوبت حماس مع الجهود المصرية لإبرام اتفاق تهدئة مقرون بتسهيلات تساعد على تخفيف الأزمة الاقتصادية والإنسانية في غزة؛ اتهمتها أوساط النظام الرسمي الفلسطيني، بأن تجاوبها ليس إلا تساوقا يلامس التواطؤ، مع “صفقة القرن”. وحماس من جهتها، ترى الإصرار من جانب رئيس السلطة، على ما يسميه العقوبات المفروضة على غزة وتشديدها أكثر فأكثر، ليس له معنى سوى أن ذلك جزء من التطبيقات العملية للصفقة. ولعل هذا ما دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إلى أن يصرح في كلمته أمام مؤتمر الشباب في منتجع شرم الشيخ (4 نوفمبر 2018) بأن “صفقة القرن” هي مجرد تعبير من صنع الإعلام، ولا نعلم عنها شيئا ولم تطرح على الجانب المصري.

من خلال تفحّص سياقات العمل على صعيد ملفات التهدئة والمصالحة والوضع الإنساني في غزة، نرى أن الإعلام الذي يقصده الرئيس عبدالفتاح السيسي، هو ذلك الذي يتعمد تأويل مقاصد الجهود المصرية، واتهام القاهرة بمباشرة تنفيذ ما يُسمى “صفقة القرن” ويقصد به إعلام قطر الذي تقف وراءه جماعة “الإخوان”. ذلك علما بأن قطر، لها سياقها الخاص في العمل على صعيد التهدئة وحل الوضع الإنساني، وفي تغليب اتهام الجانب الحمساوي للجانب الآخر، بأن هناك “صفقة قرن” يجري تطبيقها من جانب سلطة عباس. أي أن الإعلام الذي يتهم النظام المصري بأنه مع “الصفقة” لمجرد أنه يسعى إلى التهدئة وإلى حل المأزق الإنساني، يتناسى أن قطر نفسها تفعل الشيء نفسه، وينطبق عليها مثل هذا التأويل قبل سواها، لا سيما وأنها هي التي بادرت عن طريق إسرائيل، إلى حل أصعب مشكلتين في قطاع غزة، وهما حرمان فلسطينيي غزة من التيار الكهربائي، والعجز عن دفع الرواتب لمنتسبي السلطة الرسمية وحماس. وكان لافتا أن الجانب المصري، قد رأى في ضخ السولار بتغطية مالية قطرية، دون أن يصرح علنا بذلك، تطوراً يساعد على تخفيف الاحتقان على تقبّل حماس لاتفاق تهدئة كانت ترفضه وتحسبه محض تهدئة بمثلها.

أما الجهود المصرية للتوصل إلى هدنة مديدة، بين قطاع غزة وإسرائيل، فهي من جنس العمل الذي لطالما كانت قطر تبادر إليه، مع فارق جوهري لصالح المصريين، وهو أن المصريين يتدخلون لكي لا تتحول المواجهة إلى حرب جديدة تشنها إسرائيل بكل أسلحتها على غزة، بينما القطريون يتيحون لوسائل إعلامهم تظهير خطاب الطنين “الإخواني”، ثم بعد أن تشتعل الحرب المدمرة، يتدخلون لإيقافها بعد أن يبلغ السيل الزُبى.

نفتش هنا عن الخيط الهلامي الموصول بما يُسمى “صفقة قرن” فلا نتبين له أثرا مؤكدا. في الوقت نفسه، أصبح معلوما أن عباس أراد التصعيد في عملية تجويع غزة وسد الآفاق أمام سكانها، بينما الإسرائيليون أنفسهم يحاذرون من ذلك، كما يحاذر المصريون، وكذلك القطريون الذين بادروا إلى تجاوز عباس عن طريق إسرائيل، دون أن يتهمهم بشيء، وفي الوقت نفسه، يرسل اتهاماته للمصريين عبر تسريبات مفتعلة، كـ”تسريب” حديث لجبريل الرجوب، المعلومة علاقاته مع الدوحة، وفيه اتهامات صريحة لمصر، بمنطق هجائي.

أما على صعيد المصالحة الفلسطينية، وجهود المصريين التي لا تفتر، للتوصل إليها، فإن كل الصيغ التي يطرحها المصريون ويشددون عليها، وكانوا قد حرصوا على تضمينها في الاتفاقات بين الفلسطينيين؛ تؤكد ضرورة الذهاب إلى انتخابات فلسطينية، بمعنى التمكين للإرادة الشعبية الفلسطينية. لذا لا يستوي المنطق الذي يربط جهود المصريين لتحقيق المصالحة، بما يُقال عن “صفقة قرن”. وربما لهذا السبب اضطر الرئيس السيسي إلى التغاضي عن كون الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو صاحب التسمية، واتهم بها الإعلام قائلا إنه هو من اخترعها ولا تعلم مصر عنها شيئا.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com