مأزق اليمن والبحث عن حلول 
مأزق اليمن والبحث عن حلول مأزق اليمن والبحث عن حلول 

مأزق اليمن والبحث عن حلول 

في البدء صمت الجميع عندما تجاوز الحوثي حدود صعدة باتجاه صنعاء، السؤال هنا هل كان اللاعبون في اليمن وفي الإقليم والعالم يعرفون أن إيران وراء هذا الفصيل المسلح، وأن حركته هذه ستغير الموازين وسيتم خلط عنيف للأوراق السياسية؟

أعتقد أن الجميع كان يعرف ذلك جيدًا، لكن من سوء طالع اليمن أنها ابتليت بنخب سياسية أصيبت بعمى ألوان سياسي ولديها حسابات ضيقة الأفق، فالرئيس السابق كان يتحرق شوقًا لمشاهدة منظر اجتثاث مشيخة الأحمر وسقوط اللواء 310 وقتل قائده حميد القشيبي، تبع ذلك زلازل أخرى من السيطرة على الفرقة الأولى المدرعة وجامعة الإيمان التابعة لحزب "الإصلاح" ومن لف لفهم.

أما الشرعية، فكان في استطاعتها منع الحوثيين وعرقلة وصولهم إلى صنعاء عبر استخدام الطيران والألوية التابعة لها، لكنها كانت ولأسباب غير معروفة في وضع فاقد الوزن والإحساس، بل كانت منبهرة من الذي يحدث ولم تصدق ما يجري أمامها من تراجيديا، بل ذهب الرئيس الشرعي إلى عمران ليصرح بأنها عادت إلى حضن الدولة، وهذا يعني تصريحًا للحوثي بأن يصل إلى مشارف صنعاء دون أخذ الحيطة والحذر.

 بل إن الجميع كان قد أعلن الاستسلام لما يجري على الأرض، ولم يحرك أحد ساكنًا، وصنعاء التي تحرسها الجيوش الجرارة التي تقدر بأكثر من ثمانين ألف جندي، بأحزمتها ونطاقات دفاعاتها المحكمة وجيوبها الأمنية المتعددة التي صممت أثناء حكم الرئيس السابق صالح، وكان معظمها قد انضم للقادم إلى صنعاء، بل كانت تساعده في الاستيلاء على مفاصل الدولة، ومؤسساتها العسكرية والمدنية وقاوم البعض منهم بقرار فردي.

 لم تكن هناك قيادات تستطيع أن تأخذ قرار المقاومة، بل هناك من حزم حقائبه للهروب وعندها ترك الجنرال علي محسن موقعه وفر تحت جنح الظلام بمساعدة السفارة السعودية، متجهًا إلى منفاه بينما كان المفروض أن يتحرك ليأخذ موقعه القتالي في قيادة المنطقة العسكرية الخامسة، أو ما كانت تُعرف بالمنطقة الشمالية الغربية في مدينة الحديدة التي ما زال حتى تلك اللحظات قائدها .

من هناك كان يفترض أن يعلن المقاومة ضد الانقلاب، لكن يبدو أنه من هول المفاجأة لم تسعفه ذاكرته بأن لديه ألوية ووحدات عسكرية وغيرها يمكن أن تشكل تايوان جديدة على ضفاف البحر الأحمر.

وهناك جهات حزبية وقبلية من خارج المنظومة الرسمية للدولة استلمت الملايين من البنك المركزي واستلمت الأسلحة والذخائر من قصر السلاح التابع للقوات المسلحة؛ بهدف الدفاع عن صنعاء، وتم تجهيز آلاف من المقاتلين حسب زعمهم، لكن ما إن وصلت طلائع الحوثي مشارف صنعاء حتى ذابت هذه القوة الجديدة، وصرح قادتها بأنهم لن يحلوا محل جيش الدولة للدفاع عن صنعاء العاصمة التاريخية.

واستسلم الجميع، بل استمتع الجميع كل على طريقته، حتى أن قيادة حزب الإصلاح أرسلت وفدًا إلى صعدة لأداء فروض الطاعة والولاء لحاكم صنعاء الجديد، ولم يفق العالم والإقليم إلا عندما صرحت طهران بأنها استولت على العاصمة العربية الرابعة.

وبدا العالم غير مهتم بما يجري من تطورات في اليمن، غير أن البيت الأبيض أعلن عن أنه مع محاربة الإرهاب والدواعش في اليمن، وهذا كان عنوان انقلاب صنعاء حيث تم الإعلان عن ذلك في ديباجة بياناتهم؛ ليطمئن العالم أنهم القوة الوحيدة التي سيكون عليها محاربة الإرهاب والدواعش نيابة عن العالم، وكعربون للدعم العالمي، ولا يهم أن يكون الدواعش شعب اليمن بأكمله.

سقطت الدولة بيد الميليشيات الحوثية وأصبحت هي الآمرة الناهية في كل شيء، وأصبح البعض يتقرب إليها لتقديم الولاء والطاعة، وتم حبس الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي ورئيس حكومته بحاح والوزراء من أصل جنوبي في منازلهم وذهب الجميع إلى موفمبيك تحت قيادة بن عمر؛ لترتيب الوضع الجديد وانكشف المستور بأن الدولة سلمت للقادم من صعدة.

بتلك الإجراءات تم تمزيق مخرجات الحوار الوطني، وكان لدى النخب السياسية الشمالية استعداد للتماهي مع الوضع الجديد لو لم يفر الرئيس التوافقي بجلده إلى عدن، التي تحولت إلى قلعة للصمود والتحرير وبقية القصة معروفة للجميع.

في النهر جرت مياه كثيرة كما يقولون، تصدع الانقلابيون، وتم قتل زعيم المؤتمر الشعبي العام المتحالف معهم، وظل جزء من عناصره القيادية يمارسون مهام مسؤولياتهم مع الانقلابيين، وكأن ما حدث خلاف تنظيمي بين الزعيم المؤتمري وزعيم جماعة أنصار الله، هذا حسب ما صرح به أحد قياديي المؤتمر من صنعاء.

وما زال رئيس الوزراء ووزير الخارجية وغيرهم يمارسون مهامهم بعد أن تم اختيار زعيم جديد في صنعاء للمؤتمر الشعبي العام، بينما تشتت بقية المؤتمر التابع للرئيس السابق، أما مؤتمر الشرعية اليتيم الذي يدور تحت مظلتها فلا حول له ولا قوة، حيث لم يستطع أن يشكل إطارًا قياديًا يمكنه من استعادة وضعه، ودخلت اليمن في صراع لا أحد  يعرف مداه حتى الآن.

وفي حين تجمع حول الشرعية بعد انطلاق عاصفة الحزم في الرياض، ليتم على عجل استقطاب كل الهاربين من صنعاء من الذين يبدلون مواقفهم كما يبدلون ملابسهم على ضوء الوضع الجديد؛ لإعادة ترتيب أوراقهم على أقل من مهلهم وتركوا الشعب الأعزل يواجه الانقلابيين بما تيسر له من سلاح وإمكانيات، بادرت دول التحالف إلى تقديم الدعم العسكري حينها وازدحمت الجبهات بالمتطوعين والمقاومين.

ومع كل الانتصارات فشلت الشرعية في قيادة المعركة على الأرض، وفشلت في إدارة المناطق المحررة وظل الفشل يطاردها بسبب عقليتها المتزمتة والفساد المستشري فيها، والحسابات الضيقة لعناصرها، ومع الأسف لم تستطع كسب مواطني المحافظات المحررة بل على العكس من ذلك.

 وحسب تصريحات بعض الوزراء بأن الشرعية تتعمد عدم تطبيع الأوضاع في المناطق الجنوبية المحررة حتى لا تقوى الاتجاهات الاستقلالية لديها، وحتى بعضهم يرفض إعادة بث قناة عدن الفضائية من عدن؛ خوفًا من البيان الأول حسب زعمه، وهنا يكمن مأزق الشرعية التي لا تعترف بالقوى الجديدة التي بدونها لم تكن لتتمكن من العودة إلى المناطق المحررة في الجنوب.

تخبط الشرعية والبحث عن حلول خارج إطار المنظومة اليمنية وتحميل الأمم المتحدة والعالم للقيام بمسؤولياتهم تجاه اليمن نيابة عنها والأحزاب اليمنية الأخرى، شيء من سابع المستحيلات، لا العالم ولا الأمم المتحدة ستعيد الشرعية إلى صنعاء، ومن يعيدها هم رجال من أبناء اليمن فقط.

فعلى سبيل المثال لم يطالب الجنوبيون العالم والأمم المتحدة بأن يأتون إلى الجنوب ليحاربوا بالنيابة عنهم، ولم يكن لديهم شروط مسبقة قبل بدء القتال يطرحوها على أحد، لكنهم مجرد عبور القوات المتحالفة التابعة للرئيس السابق وأنصار الله الحدود الدولية لدولتهم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية امتشقوا السلاح المتوفر  لديهم وقاوموا وقدموا التضحيات؛ من أجل صد هذه القوات من العبور والوصول إلى عدن والاستيلاء عليها.

الجنوبيون حاربوا جنبًا إلى جنب مع التحالف العربي وتم تحرير المناطق الجنوبية في أقل من شهرين، ولا زالوا يقاتلون مع التحالف في جبهة الساحل الغربي وصعدة وغيرها من الجبهات الأخرى.

السؤال الأهم: لماذا لم يقم الآخرون بواجباتهم، هل تنقصهم الشجاعة أو قلة العدد أو شُح الإمكانيات أو نقص في التسليح أو مسرح العمليات غير ملائم ولا يستطيعون القتال فيه ؟ هل لأن الذين يحاربونهم من أهلهم وقبائلهم وزملائهم في الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي وقوات أنصار الله ولا يريدون أن يضروا بعضهم البعض؟ أم أن هناك أمورًا لا أحد يعرف عنها شيئًا؟

السؤال الهام الآن ما هي خطة الشرعية، هل ما زالت تعتبر تحالف الحوثي الهدف الرئيسي، أم أن هناك أهدافًا أخرى لديها، خاصة بعد أن ظهرت بعض تلك الأهداف في استهداف الجنوب بمحاربته في قوته ومعاشه اليومي وخدماته ومرتباته واستشراء المجاعة، وحيث لم تقم بإعمار ما دمرته الحرب في المدن الجنوبية وما قامت به هو كل ما يعرقل الحياة في المناطق المحررة.

في الآونة الأخيرة ساد عدم الرضا من حكومة الشرعية على تحركات المبعوث الدولي وكما الانقلابيين أيضًا، هذا الأمر بلا شك سيؤثر على سير حركته، لكن من الواضح أن الإرث السياسي الذي يواجهه المبعوث الدولي ضخم ومعقد جدًا، وهو كمن يسير في حقل من الألغام ومحاط بمفخخات سياسية من كل جانب، وهو لا يملك عصا موسى لكي يحل صراع عمره من سنوات الثورة في عام 62، وما صاحبها من صراعات ونزيف الكثير من الدم والمعاناة والآلام.

 ومن الطبيعي أن لا يرضى على طريقة عمله كل أطراف الصراع، حيث أثبتت الأحداث أن المتصارعين في اليمن لا يملكون الشجاعة ولا الإرادة للاعتراف بالواقع، وكل منهم يتمترس حول ثوابته الخاصة التي يعتقد بأنها ستمكنه من كسب المعركة السياسية لصالحه، ولا يهمه مصالح اليمن وشعب اليمن، وهذا ما ظهر في فشل مشاورات جنيف الأخيرة.

 لأول مرة في تاريخ الصراع الجديد القديم يقوم المبعوث الدولي على استحياء بلقاء قوى سياسية من خارج تابوه المتصارعين، وهذا أحدث هزة كهربائية لدى طرفي الصراع؛ الانقلابيين والشرعية، وكلاهما لم يقبلا بهذا العمل، حتى يقال إنهما اشترطا عدم حضور أي مشاورات سياسية من خارج الطرفين، وكأن مسألة الحرب والسلم توقفت عليهما، بينما الواقع أن هناك قوى سياسية وعسكرية على الأرض حققت انتصارات كبيرة، ومثال على ذلك المقاومة الجنوبية وممثلها السياسي المجلس الانتقالي، وهناك قوى أخرى فاعلة على الأرض وفي أماكن أخرى يحتاج المبعوث أن يبحث عنها؛ لكي تكون حاضرة في ترتيب البيت اليمني.

الشرعية كرست نشاطها في مجال واحد فقط وهو التحكم بالتعيين لإدارة النشاط بشكل عام في الدولة، مستفيدة من أن التحالف والعالم يعترف فيها، ولكن كيف تصرفت وبأي اتجاه مررت فيها كل التعيينات، والكل يعرف ما حصل فيها من فساد ومخالفة لقواعد نظام التعيين في الوظائف الشاغرة، وهي بذلك تركت جهاز الدولة القائم الذي يمتلك خبرات إدارية وسياسية وعسكرية وأمنية، وقامت ببناء جهاز دولة جديد من المقربين والموالين، وحمّلت الدولة أعباء كبيرة ومصاريف لا معنى لها.

بالمقابل، الانقلابيون قاموا بالآلية نفسها بتجريف كادر الدولة واستبدلوه بكادرهم من المقربين والموالين لخطهم السياسي، وبنوا دولة أخرى موازية لجهاز الدولة اليمنية، وكلا الطرفين لا يهمهما أي دولة وأي نظام يمكن أن يتمخض بعد نهاية الحرب.

 طريقة الشرعية في إدارة البلاد أصبحت عبثية ولا أخلاقية أنتجت المجاعة بشكل مخيف، وتعطلت الخدمات في المدن والأرياف وحجبت الرواتب عن موظفي الدولة منذ نقل البنك المركزي إلى عدن، وهبطت قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية إلى الحد غير المقبول، وانتشرت الأوبئة والأمراض والمخدرات وتعطلت مصالح الناس وتقطعت السبل بملايين اليمنيين من التنقل بين اليمن وبلاد العالم، وهناك مدن تدمرت مثل عدن ومدن أخرى لم يُعد إعمارها بعد سنوات من تحريرها، وأخيرًا انتشر الفساد كالسرطان بين صفوفها .

هذه نماذج بسيطة من معاناة الناس، وإذا أرادت الشرعية الاستمرار عليها أن تضع الحلول المناسبة لما ذكر أعلاه، وقبل كل شيء عليها أن تعيد النظر في سياساتها الخاطئة التي أوصلت البلاد إلى هذا الوضع السيئ، وأن تستعيد قرارها المختطف من قبل حزب الإصلاح اليمني (إخوان اليمن)، وأن توسع المشاركة السياسية للقوى الفاعلة على الأرض التي حققت الانتصارات، وأن تبدأ بإجراء إصلاح سياسي وإداري ومالي، وتحد من الفساد وإرباك المشهد السياسي، وأن تدعم بناء أجهزة الدولة في المناطق المحررة من أبنائها.

وفي مقدمة الإصلاح أن يتم توقيف صرف مرتبات عناصرها بالعملة الأجنبية، وتصرف مرتباتها من الرئيس إلى أصغر موظف بالعملة المحلية، وفقًا للكادر المقر من الخدمة المدنية، وهنا نستطيع أن نوفر الكثير من هدر المال العام وعليها أن توقف التعيينات غير الضرورية أو من أجل استرضاء هذا أو ذاك من الناس، وفي الوقت نفسه إعادة النظر في التعيينات المخالفة لشروط الوظيفة العامة.

هناك دعوة لوقف الحرب، وحُدد لذلك مدد، هذا شيء مهم وملح ويلبي رغبة الشعب اليمني في السلم وتطبيع الحياة، لكن في نفس الوقت وقف الحرب يجب أن لا يكون مكافأة لمن أشعل نارها وخرب الديار وأشاع الموت، ونتمنى أن يساعدوا أولًا في تطبيق قرار مجلس الأمن 2216 كاملًا، وإذا كانت هناك ضرورة للحوار مع من انقلب على الشرعية بقوة السلاح، فهناك ضرورة أهم في إشراك من قاوم الانقلاب وأعاد الشرعية إلى الأرض المحررة، كشريك أساسي في أي حوار أو مشاورات قادمة على قدم المساواة مع الآخرين، وبعدها يتم وضع خارطة طريق لما يجب عمله لاحقاً، وهناك حاجة ملحة لفترة انتقالية يكون فيها ترتيب البيت اليمني جنوبه وشماله، كل على حدة، من خلال إدارة مدنية، تُشكل تحت إشراف دولي وإقليمي تجري خلال تلك الفترة الانتقالية مصالحات وطنية داخلية وتوافقيّة لطبيعة النظام المزمع قيامه، وعلى أن يترافق مع ذلك توجيه النشاط نحو الإعمار والتربية والصحة العامة والتنمية الاقتصادية وبناء البنية التحتية           .

إن إطالة أمد الحرب في اليمن وإبقاء الحرب على وضعها الحالي تراوح مكانها في جغرافيا محددة، يعني المزيد من الاستنزاف لموارد المنطقة واستمرار في معاناة الناس من جراء الحرب، ناهيك عن بروز أمراء حرب لديهم القوة يستطيعون عرقلة أي حلول سلمية وواقعية في المستقبل.

 وكما أن تحولات في عالم اليوم تجري بشكل دراماتيكي، يمكن لها أن تؤثر على مجرى الحرب وتفسح المجال لتدخل لاعبين جدد قد يبعثروا الأوراق على الجميع، وبالتالي ستفرض أجندات ومقايضات كبرى في مناطق أخرى ستكون على حساب أمن واستقرار المنطقة.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com