لكي يحبط الفلسطينيون "الصفقة" من داخلها
لكي يحبط الفلسطينيون "الصفقة" من داخلهالكي يحبط الفلسطينيون "الصفقة" من داخلها

لكي يحبط الفلسطينيون "الصفقة" من داخلها

عدلي صادق

يلف الغموض لقاءات القاهرة، بين مؤسسة المخابرات المصرية الممسكة بملف المصالحة الفلسطينية، والوفود التي تؤمّ القاهرة، من حركتي حماس وفتح. وبدا من خلال التكتم على وقائع المداولات، أن الجانب المصري، حرص على تحاشي الإثارة التي يمكن أن تنجم عن تصريحات غير مسؤولة من الطرفين الفلسطينيين، حول ما يجري في القاهرة. وعلى هذا الصعيد، أصبح الإفصاح من جانبيْ الخصومة، يقتصر على القول بأن النقاش جرى بطريقة معمقة، وأن الأشقاء المصريين لا زالوا مصممين على إنجاز المصالحة التي تعثرت لما يزيد عن عشر سنوات.

واضح أن لدى الطرف المصري، ما يزعجه من مواقف الطرفين، لكنه في كل مرة، يبدو أشد تصميماً على تحاشي الفشل والاصطدام بالجدار. تُطرح الصيغ ويجري تعديلها، ويسمع الفلسطينيون في كل مرة، أن هناك “ورقة” مصرية.

وفي كل مرة يتحفظ طرف من الطرفين، على “الورقة” عندما يُنشر فحواها، وإن جرى التكتم على فحواها، تسمع عبارات التحفظ من هذا الجانب أو ذلك. والحديث كله يدور حول كيفية التمكين الذي يطالب به رئيس السلطة الفلسطينية، والتمكين الذي يراه الطرف الحمساوي لنفسه ولحفظ رأسه وأرزاق جماعته و”أصول” سلطته من العقارات والمشروعات!

لا تعريف محدداً لطبيعة هذا التمكين، ولا يرغب أي طرف في التوصل إلى حلول للنقاط الخلافية فيه. محمود عباس يريده تمكيناً ينزع سلاح حماس ويُنهي قدرتها على قلب الطاولة متى شاءت، والطرف الحمساوي يتمسك بالسلاح، باعتباره وسيلة المقاومة المشروعة.

من جانبهم، يرى المراقبون أن حماس بدت في الآونة الأخيرة، تتحسس عجزها عن تلبية مطالبها القصوى، لذا أظهرت مرونة في معظم المسائل، ما عدا السلاح. فهو بالنسبة لها صنو الحق في الوجود، إن فقدته سينهار بالنسبة لها كل شيء، بل وأهم ما ينهار، هو قدرتها على حماية منتسبيها وقد أصبح للناس في غزة شكايات مريرة حيال الكثيرين منهم. فالمجتمع في غزة، عشائري، ويُخشى أن يندفع أصحاب الشكايات، إلى النيل ممن آذوهم أو قتلوا أبناءهم.

إن من أفدح ما أصاب المجتمع الفلسطيني جراء هذه الخصومة؛ نشوء مشاعر انتقامية لدى فريق من الناس، يحاذرها الفريق الآخر، ويحرص بدوره على عدم إتاحة الانتقام للفريق الأول. لذا فإن مسألة السلاح، بالنسبة لحماس، أصبحت قضية حياة أو موت.

أما عباس الذي يطالب بنزع السلاح، فهو يتجاهل الأبعاد السياسية والاجتماعية لعملية النزع، ويركز على أمرين اثنين: الأول بالنسبة له، يمثل مسك الختام في مقاربات التنسيق الأمني مع إسرائيل، والرجل على قناعة بأنه يعزز موقفه السياسي بإنجاز النزع، ويستطيع أن يعاود الكرّة، لعل نجاحه في إنهاء ظاهرة حماس المسلحة، يلقى بعض الليونة من جانب إسرائيل في موضوع التسوية. وهذا افتراض ناتج عن فهم خاطئ، بأن إسرائيل والأميركيين يمكن استرضاؤهم، وبأن مسألة الأمن، هي فعلاً هاجسهم.

فالهاجس الأمني ليس هو الدافع إلى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن القدس عاصمة لإسرائيل، وعلماً أيضاً، بأن قرار تجريف قرية الخان الأحمر الفلسطينية البدوية، وعدد سكانها 173 نسمة منهم اثنان وتسعون طفلاً، وجميع هؤلاء يعيشون بهدوء ولا يتهددون أحدا؛ ليست مسألة أمنية، ولم تكن المحكمة الإسرائيلية التي أصدرت قراراً بهدم القرية، تبت في موضوع أمني.

ما تُسمى صفقة القرن، أصبحت التعليل الأساسي، من جانب كل طرف، لموقف الطرف الآخر. عباس يقول إن ما يعتبره امتناع حماس عن تلبية شروط المصالحة، هو في الحقيقة ناشئ عن موقف مضمر، لتأسيس كيانية صغرى في غزة، لتمرير “الصفقة”.

أما حماس فتعلل موقف عباس باعتباره متساوقاً مع “الصفقة” لكي لا تكون للشعب الفلسطيني أي أسنان للمقاومة، ولكي تكتمل سيطرة “سلطة التنسيق الأمني” على الأراضي الفلسطينية، التي يراد تأطيرها على النحو الذي يلائم الحل الإسرائيلي.

غير أن الطرفين، بالمحصلة، يحافظان على الخصومة ويراوغان أو يعاندان محاولات المصريين التوصل إلى مصالحة، وهما يدركان أن “الصفقة” التي يتحدثان عنها، لا يلائمها شيء أفضل من الانقسام.

المصريون وطرفا الخصومة، تعمدوا التكتم على مداولات القاهرة، لكي لا تزداد الأمور سوءاً. يجتهد البعض فيقول إن القاهرة متبرمة من موقف عباس وتعتبره سلبيا.

وأوساط عباس تقول العكس في اجتهاد مضاد. ووسط هذه اللُجة، لم يتسرب شيء، عن محاولة حل إشكالية السلاح بطريقة ألا يموت الذئب ولا تفنى الغنم. إذ بالإمكان التوصل إلى حل لموضوع التشكيلات العسكرية في غزة، من خلال دمجها وتأطيرها دستوريا، وجعلها نواة لمؤسسة عسكرية وطنية دفاعية، تلتزم بالقرار السياسي، لا سيما بعد أن يصبح هذا القرار، صادرا عن هيئات دستورية منتخبة تشارك فيها كل ألوان الطيف.

ولأن الطرفين غير معنيّين بمثل هذا الحل ولا يقتربان منه؛ فإن الأمر سيظل يتعلق بفريقين: الأول يحاول إنقاذ نفسه سياسيا، من خلال الوصول ببراهينه على رفض العنف، إلى أقصاها، والمفاخرة بنزع السلاح في غزة كإنجاز أخير له، والثاني يحاول حماية نفسه، لأنه كما الفريق الأول، لا يرغب في أن تكون ضمانته، نظام سياسي رصين، بسلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية، التي تحمي الحقوق وتحدد الواجبات، وتكرس العدالة.

المصريون مصرون على الاستمرار في المحاولة، ويبدو أنهم يقتربون من لحظة المكاشفة الصريحة مع الطرفين، وأهم ما سيقال لكل طرف في هكذا مكاشفة: إن كنت فعلاً ضد “صفقة القرن” وترى أن الاضطرار إلى الضغط عليك أو تجاهلك، أملته متطلبات هذه “الصفقة”؛ فلتأت إلى التوافق، ولتؤدّ ما عليك ولتعط شعبك حقوقه، لكي تحبط “الصفقة” من داخلها.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com